أيّها الوطن المستقلّ سر إلى العلياء

{title}
أخبار الأردن -

 

سليمان محمد أبوصفيّة
 
أيّها الوطن المكحل بالفخار، سلام عليك في عيدك البهيّ، سلام عليك ما أغطش ليل وما انبلج نهار، سلام على سهولك المخضّبات عزًّا، على جبالك الشامخات مجدًا، على هضابك الريّانات شرفًا، على وديانك الدّافقات سؤددًا.
 
ستة وسبعون ربيعًا تحكي ملحمة الإرادة الصّلبة التي لا تلين، كي تكون - كما تحبّ أن تكون- ماضيًا إلى علياء العلياء هناك بين النجوم، وتحكي ملحمة الصبر الذي أعجز الصبر كي تكون - كما تحبّ أن تكون - حرًّا أبيًّا ماجدًا لا تستكين.
 
يا أيّها الوطن المتجذر في التاريخ قبل استقلاله؛ فهذه وشوم الكنعانيين والأدوميين والمؤابيين والعمونيين والأنباط تزيّن الجسد النبيل الذي نفض كلّ الغزاة الطامعين فانتحروا على ترابه أو اندحروا من فضائه ، وبقيّ هو-  كما هو - عربيّ الوجه واليد واللسان. 
 
يا أيّها الوطن المسافر إلى أقصى استقلاله والبالغ – لامحالة - مبتغاه من العزّة والمنعة والشرف والتقدم والروعة؛ فرجالك رضعوا عزمهم من صخور جبالهم، ونهلوا مضاءهم من عناد صحرائهم، وورثوا مجدهم التليد كابرًا عن كابر، يرفعون بنيانك من عرق جبينهم ، ويحمون حيضانك بحديد سيوفهم، فكيف لا يبلغون بك ما يبغون وتبغي! ونساؤك الحرائر ما فتئن يحملن القلم والسيف، يكتبن التاريخ منذ الأزل، ويربين الرجال ليكونوا نشامى نشامى، ويحفظنك بأهدابهن ويذدن عنك بقبضاتهن ويبنينك بسواعدهن، فكيف لا يبلغن ما يبغين وتبغي!   
 
أيّها الوطن المزهوّ باستقلاله وعروبته، أنت مهد العروبة وحارسها الأمين وابنها البار أبدًا بعهدها، لا تشغلك الشعارات الفارغة، فأنت من يسارع ويمدّ شريان ساعده الفتيّ؛ لتلثم العروبة من دمه الأحمر القاني قُراحًا يسدّ رمقها ويقيم أودها إلى أن يصلب عودها وتقوى شوكتها.
 
أيّها الوطن المستقلّ عن كلّ تبعيّة تحيد بالأوطان عن رسالتها، فأنت من يرى حقّه حقًا؛ فيتبعه وينتزعه بحدّ اللسان أو حد السنان، ولو كان بين براثن السباع أو ألسنة النيران، وأنت من يرى الباطل باطلاً؛ فيعرض عنه ويتأبّى عليه ولوكان سائغًا باردًا بين لؤلؤ ومرجان.
 
     أيّها الوطن المستقلّ بحراسة رسالة السّماء، منذ سماحة المسيح عليه السّلام إلى سماحة وعدالة الإسلام، في دوحتك الوارفة يتحابّ الناس صدقًا لا تزلّفًا، مسجد يحنو على كنيسة وأجراس تبتهل حبًا في مئذنة، ومقامات وأضرحة تهب القداسة للتراب المقدس ، ووصاية تَشْرُفُ برعاية المقدسات في القدس الشريفة الحبيبة ، قدسنا مهوى كلّ فؤاد من أفئدتنا وإنسان كلّ عين من بصائرنا.  
 
أيّها الوطن المستقلّ بأرواح الشهداء وطهر الدّماء، كيف لا يحيا وطن يتسابق أحراره إلى مذبح الفداء؟! يعبرون المعارك باسمين حالمين، يرتقون على أسنّة الرّماح وملح الرصاص يعطرون بدمائهم الزكيّة أسوارك المقدسة وترابك الطّاهر؛ لأنّهم يحبون الحياة ويعشقون الخلود؛ لكنهم يعشقون حياة عنوانها الكرامة وخلودًا طعمه المجد.    
 
أيّها الوطن المستقلّ بصبره؛ ما انفكت الصّعاب تطرق بابك تترا فاغرة أفواهها؛ فما وهنت ولا هانت عريكتك، ولا لنت ولا حادت بوصلتك. هي الأقدار تحمل للعظماء الابتلاء: مخافات ومخاضات وتحديات ونقص في الأموال والأنفس والثمرات... ولكنك كنت الصابر المثابر وكنت العنقاء تنهض أكثر قوة كلما أوقدت لهدمك النار.  
 
أيّها الوطن المستقلّ؛ ازه باستقلالك، اسم بمبادئك، اختل برجالك، افخر بنسائك، وحُقّ لك فأنت وطن الأمجاد ومنبت الأجواد، مجدك مؤثّل، وعزك مؤصل، تُطاول فلا يُبلغ شأوك وتُسامى فلا يُبلغ شأنك ، فسر أبدًا إلى عليائك شامخًا عزيزًا مسيجًا محروسا بهام رجالك .
تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير