كيف تكون السوق جزءا من الإصلاح؟

{title}
أخبار الأردن -

بقلم: إبراهيم غرايبة

إغفال القطاع الخاص في البرامج والسياسات الإصلاحية والتنموية التي تؤديها الدولة والمجتمعات يصيب الإصلاح بمقتل. فالحال أنه لا إصلاح من غير حالة مواتية للأسواق والأعمال، لا تستطيع الحكومة أن تحقق الإصلاح حتى لو توافرت الإرادة والنية الحسنة لذلك من غير علاقة سليمة مع الأسواق، ولا تستطيع المجتمعات أن تحقق أهدافها وتطور السياسات الحكومية والسوقية لصالحها، من غير أن تكون الأسواق في مكانها الصحيح في علاقتها مع الدولة والمجتمع، وفرص العمل والاستثمار.

والواقع أن الحالة المثالية لأوضاع وسياسات الدولة والسلطات والمجتمعات؛ هي أن تكون أهدافها وتطلعاتها تمثل مصدراً للربح والاستثمار الناجح، فالعائد المالي لأي عمل أو برنامج أو فكرة هو سر إدامتها وتطويرها، فلا تستطيع حكومة أو مؤسسة غير ربحية أن تضمن إدامة وتطوّر مشروع أو فكرة، ولكن السوق تضمن ذلك ما دامت بالطبع مصدراً للربح والكسب. يمكن للمبادرات الحكومية والمجتمعية أن تبدأ في زخم وقوة وتنجح لفترة من الزمن، ولكنه نجاح لن يدوم، وفي تجربة الدول والأسواق وتاريخها يمكن ملاحظة ذلك بوضوح.

فالدولة يمكن أن ترعى على سبيل المثال الأبتكار والإبداع والثقافة والفنون وتقدم حوافز ممتازة في هذا المجال، ولكنها لن تستطيع مواصلة ذلك، لأن السياسات والبرامج الحكومية بعد فترة من الزمن تصبح مكلفةً جداً، فتثقل على الموارد العامة، ويضعف حماس العاملين فيها، ويرحل المؤسسون والرواد القائمون عليها، فيأتي جيل لا يحمل الرسالة نفسها وربما يكون غير قادر على فهمها واستيعابها. وعندما تضطر الدولة الى التقشف وتقليل الإنفاق فإنها تفكر في وقف أو تخفيض الإنفاق على هذه البرامج، فهي لا يمكن أن تقترب من ميزانيات الدفاع والأمن، وتتردد في تخفيض نفقات التعليم والصحة.

وبمرور الزمن تتحول مؤسسات الإبداع والثقافة والفنون إلى مؤسسات معزولة احتكارية، وهدايا ترضية تقدمها الدولة لبعض الأشخاص، وفي وصاية هؤلاء على الحياة الثقافية والفنية يتحول الأبداع نفسه إلى مهزلة، يصبح الفن احتكارًا وترهات يقدمها ادعياء وفاشلون، ولا يعود الناس يفرقون بين الفن والخربشة والمسرح والمسخرة، ويعزفون عن هذه البرامج، ويتوجه المبدعون بطبيعة الحال إلى مجالات أكثر مواردا أو هي متاحة للمبدعين أو تبحث عنهم، مثل وسائل الإعلام والإعلان والتصميم المتعلق بحياة الناس وخدماتهم وأعمالهم وأسواقهم، ويأخذ الإبداع طابعا ماديًا قاسياً، ولا يعود الفن مستودعاً لأفكار الأمم والأفراد السامية!.. ولا تقلل من أهمية  هذه المقالة الأمثلة الصحيحة التي يردّ بها عن الانجازات الحكومية في دعم وتطوير الإبداع والفنون!

من المؤكد أنه عندما يكون الإبداع والفن مصدراً لأعمال وموارد حرة واسعة ،أن ينمو ويقبل عليه الاذكياء والمتفوقون، فأوائل الثانوية العامة لا يذهبون الى دراسة الطب إيماناً خالصاً بمساعدة الناس وعلاجهم، أو لنقل لا يذهب لأجل ذلك إلا عدد قليل منهم، وفي الوقت الذي تصبح فيه مهنة الطبّ غير مجدية أو يستغني عنها الناس لأي سبب كأن تتطور التقنية على النحو الذي يمكن الناس من معالجة أنفسهم بأنفسهم، لن تجد المتفوقين يقبلون على دراسة الطب، وفي المقابل فإن الطلاب يعزفون عن دراسة الآداب والفنون لأنهم يدركون أن فرص التقدم في الحياة قليلة لمن يعمل في هذا المجال، وهكذا لن يفيد الآداب والفنون أن توفر الحكومات كليات لدراستها، وهنا يمكن أيضا ملاحظة كيف أن معظم الدارسين في كليات الفنون يذهبون إلى التصميم ولا تجد في الفنون التشكيلية أو المسرح او الموسيقى إلا أقلية من الفدائيين!!

المقالة بالطبع ليست دعوة إلى الاستغناء عن الثقافة والفنون والإبداع .. ولكنها سؤال معلق كيف تتحول إلى مصلحة وسوق؟

هناك قيم وأنواع من السلوك الاجتماعي وأسلوب الحياة تفيد السوق بعامة أو قطاعات منه، فانخفاض الحوادث يساعد شركات التامين أو يقلل خسائرها، .. كيف يحدث تحالف بين شركات التأمين وعمليات التقليل من حوادث المرور؟ ومؤكد أيضا أن الصحة السليمة الجيدة تفيد شركات التأمين الصحي، فهل يمكن ان ينشئ ذلك تحالفا بين شركات التأمين وتشجيع ممارسة الرياضة أو مكافحة السمنة والتدخين وتطوير أساليب الوقاية من الأمراض؟ وبالطبع فإنه لا يمكن الاعتماد على أن يكون الإصلاح مورداً مشجعاً للمستثمرين ومنشئاً للأسواق على أهمية ذلك وضرورته، ولكن الأسواق نفسها تنشئها مجموعة من القيم والإتجاهات الإجتماعية والثقافية.

كيف تؤثر المجتمعات في الأسواق واتجاهاتها على النحو الذي يخدم أهدافها ووعيها لذاتها ووجودها؟

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير