المومني تكتب: غزة والمسؤولية الدولية والمطر

{title}
أخبار الأردن -

 

د.نهلا عبدالقادر المومني

في عالمنا العربي، المفاهيم جميعها قابلة للتغيير، والمعاني العميقة تضم بين جنباتها قدرة كبيرة على التحول؛ فما يمكن اعتباره رمزا للخير هو ذاته ما يمكن أن يكون سببا للمعاناة والألم، ومصائد الحياة هي ذاتها مصائد الموت.

اليوم في قطاع غزة تستمر الإنسانية في تلقي ضربات موجعة، والحرب التي انتهت جعلت الباب مستمرا أمام معاناة الأطفال والكبار على حدّ سواء، والمطر يجلب العديد من المآسي اليوم للبشرية، ولكن من يتحمل أوزارها هو قطاع غزة بكل مكوناته.
 في موجبات المسؤولية الدولية، لا تتوقف مسؤولية المجتمع الدولي على إنهاء حالة الحرب، بل هي مسؤولية ممتدة لما بعد انتهاء حالة العدوان -وذلك على افتراض انتهائها- ويُعد ذلك التزاما ضمن الجيل الثالث من أجيال حقوق الإنسان القائمة على التضامن لتحقيق حالة السلام.
 والسلام في جوهره هو عملية تنطوي على عدة محاور، أبرزها استدامة العمل الإنساني فلا يتوقف إلا بتوقف الحاجة إليه، وهو ما يتطلب التزاما دوليا باستمرار المساعدات بأشكالها كافة التي تضمن مستوى معيشيا ملائما للأفراد الذين وقعوا تحت وطأة جرائم العدوان وغيرها.
 هذا من جانب، أما من جانب آخر فمسؤولية إعادة الإعمار واستكمال أهداف التنمية المستدامة هو واجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؛ ذلك أن المساس بمقتضيات التنمية في أي دولة في العالم ينطوي على مساس متسارع بالتنمية على المستوى العالمي أيضا، فحلقات التنمية وحقوق الإنسان متكاملة لا يمكن أن يشعر العالم بمكتسباتها طالما هي مهددة في دولة ما، فكيف هو الحال إذا ما كانت هذه المكتسبات قد تم تدميرها ابتداء بسبب جريمة العدوان المحظورة بموجب نظام روما الأساسي وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وغيرها.
 المطر ذلك العابث صوته بالعقول، يثير حنينا ويعيد كتابة الأيام جميعا. «أي حزن يبعث المطر؟» وأي فرح كذلك يا سياب؟ المطر تناقضات الحياة، فرحها الذي لا ينضب وحزنها الذي يعرف طريقه دوما نحو الفرح. إنه موسم الهدايا التي تختفي رويدا مع مجيء الصيف.
 المطر صديق الطريق، الحامي للمقاعد التي وضعت للاختباء منه، نجلس فوقها ننتظر ألا يبللنا وفي الوجدان فرح لا ينقطع به.
 المطر رفيق الدروب التي بقيت هناك وعاد من عاد بدونها. كم مرة سار معنا المطر، فغسل قلوبنا فأعاد طفولتها الأولى؟ يصبح المطر وطنا لمن يبحث عن حنين لغربته ويصبح المطر دمعا لمن يستذكر تفاصيله.
 كم من قطرة منه عبرت أشخاصا وكم من قطرة روت أرواحا وأنبتت جذورا في بلاد غريبة وبعيدة؟ كل ذلك المطر اليوم، بكل معانيه العميقة تلك، يصبح في قطاع غزة غربة لأصحابه وعبئا آخر فوق أعبائهم.
 يُضاف المطر اليوم إلى الحصيلة اللغوية العربية التي أتعبت أصحابها وأرهقت فيهم الحياة، بدلا من أن يكون «ابتساما في انتظار مبسم جديد»؛ لتتحقق نبوءة السياب فيه، فما مر عام في غزة إلا وفيها الجوع رغم المطر.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية