كراجة يكتب: ترامب.. الإخوان.. وخيارات الأردن

{title}
أخبار الأردن -

  سائد كراجة
 

جاء القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب في نوفمبر 2025 امتدادًا لمساعٍ أميركية متكررة لحظر الإخوان المسلمين، وهي مقاربة اصطدمت دائمًا بعقبة قانونية جوهرية: غياب هيكل دولي موحّد يمكن التعامل معه ككيان واحد. ولذا تحوّلت واشنطن إلى استهداف ما سمّته “فروعًا”، بما في ذلك الإشارة إلى فرع أردني لم يعد قائمًا من الناحية القانونية منذ عام 2020، الأمر الذي يعني عمليًا غياب شخصية اعتبارية يمكن أن تطالها إجراءات عقابية مباشرة.

وبغياب هذا الكيان القانوني، يصبح أثر القرار التنفيذي محدودًا بطبيعته، إذ لا يجد هدفًا مؤسسيًا يطبَّق عليه. ومن المتوقع أن ينحصر تأثيره في استهداف أفراد محدّدين عبر الآليات الأميركية الخاصة بالعقوبات. لكن مثل هذا المسار يبقى مشروطًا بإثبات تقديم دعم مادي أو خدمات أو تنسيق مع جهة مصنّفة إرهابية بموجب التشريعات الأميركية ذات الصلة، وهي شروط ترتبط بدعم جوهري فعلي، لا بخطاب سياسي مستقل أو تعاطف عام مهما بلغت حدّته.
وقد أكدت المحكمة العليا الأميركية هذا الفهم في حكمها البارز Holder v. Humanitarian Law Project (2010)، الذي فرّق بدقة بين “الدعم المنسّق — «كالتدريب والخدمات والمشورة» — وبين «الخطاب المستقل» الذي لا يتضمّن أي شكل من أشكال التنسيق مع منظمة مصنّفة. وجاء في نص الحكم:
“Independent advocacy that is not coordinated with a foreign terrorist organization is not prohibited.”
وبذلك يتضح أن الخطاب المؤيد لغزة أو القريب لغويًا من خطاب بعض الفصائل لا يشكّل بذاته أساسًا للعقوبات ما لم يُثبت وجود تنسيق فعلي أو مساهمة قابلة للإثبات.
وتنسجم هذه القاعدة مع ما يجري في المؤسسات الأكاديمية والإعلامية الغربية؛ إذ يواصل باحثون وإعلاميون بارزون — من بينهم نورمان فينكلشتاين وجون ميرشايمر — وصف عمليات حماس بأنها «مقاومة مسلّحة» دون أن يواجهوا مساءلة قانونية، ما دام خطابهم يُعد تقييمًا سياسيًا مستقلًا لا دعمًا منسّقًا. وهذا ما قد يؤيد بعض الآراء التي تقول إن القرار التنفيذي ليس من المتوقع أن يكون له أثر واسع في المشهد الداخلي.
وفي الداخل، أثبت المسار القانوني الذي اعتمدته عمّان منذ عام  2020 أنه النهج الأكثر قدرة على تنظيم العلاقة مع القوى السياسية، بما فيها قوى الإسلام السياسي. فهو يقوم على قوانين واضحة وأحكام قضائية نهائية يعترف بها الجميع ويلتزمون بها، وإن لم تُرضِ بعض الأطراف. ومن المهم تطوير هذا النهج عبر تمكين بيئة حزبية واسعة تتيح ظهور قوى سياسية متعددة ومن أطياف أيديولوجية مختلفة، وفق قاعدة «دفع الناس بعضهم ببعض» التي تُبقي الساحة حيوية وتدعم مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي في مرحلته الحرجة.
وفي المقابل، يتعيّن على الأحزاب — وحزب جبهة العمل الإسلامي بصورة خاصة — إعادة ضبط خطابها ليكون وطنيًا عامًا لا فصائليًا، أيًّا كانت الجهة التي تمثلها هذه الفصائل. كما ينبغي أن يكون عملها السياسي موجّهًا نحو مساءلة الحكومات وسياساتها، لا نحو الدولة ومؤسساتها الجامعة. وإلى جانب ذلك، فإن التخلي عن خطاب التفوّق الأخلاقي، الذي يغذّي الاستقطاب ويضعف الثقة، يشكّل خطوة ضرورية لبناء علاقة سياسية صحية تقوم على التنافس لا على الإلغاء.
إن الجمع بين نهج قانوني ثابت، وساحة حزبية تنافسية، وخطاب سياسي مسؤول، هو ما يمكّن الأردن من إدارة الظرف الإقليمي المعقّد بثقة. فالقوة الحقيقية اليوم لا تأتي من الاستجابة للضوضاء الخارجية، بل من تكريس مسار وطني متماسك يصون الجبهة الداخلية ويعزّز قدرة الدولة على حماية استقرارها السياسي والاقتصادي في المدى القريب والبعيد.
وان غدا لصانعه قريب جنابك


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية