أبو سويلم يكتب ... الخدمات الإلكترونية تسهل وتسرع في عملية التقاضي
بقلم : المحامي علاء أبو سويلم
خلال السنوات القلية شهد الأردن تحولًا ملحوظًا في مسار تحديث جدري في قطاع العدالة من خلال إدخال الإجراءات الإلكترونية في التعامل مع القضايا الرسمية وهو تحول يعكس توجّه الدولة نحو تحسين جودة الخدمات وتسهيل وصول المواطنين للعدالة وتقليل الزمن الإجرائي الذي لطالما شكّل عبئًا على المتقاضين هذا التطور لا يقتصر على الجانب التقني فقط بل يمثل إصلاحًا تشريعيًا وإداريًا عميقًا يعيد صياغة العلاقة بين المواطن والمؤسسة القضائية وينقل القضاء من الشكل التقليدي الورقي إلى نموذج أكثر حداثة يعتمد على الرقمنة والشفافية والكفاءة .
ومن خلال عملي و متابعتي ومراجعتي للعديد من المحاكم أقول بأنه قد بدأت نتائج هذا التحول بالظهور بشكل واضح بعد اعتماد التوثيق الإلكتروني لدى العديد من المحاكم و ومكاتب كاتب العدل الذي أتاح للمواطنين إنجاز معاملاتهم من منازلهم أو مكاتبهم دون الحاجة للانتقال إلى الدوائر الحكومية ، فقد أصبح بالإمكان تقديم طلبات التوثيق وتثبيت الهوية وتوقيع الوثائق إلكترونيًا واستلام نسخ مختومة رقمياً لها قوة المستند الرسمي فهذا التغيير الذي لم يكن ممكنًا قبل سنوات قليلة اختصر وقتًا طويلًا كان يُهدر بين الدور والمراجعات المتكررة وقلّل من التدخلات البشرية والواسطة ورفع مستوى الثقة بالخدمة الحكومية .
إلى جانب ذلك أقول لقد شكّلت التبليغات القضائية الإلكترونية نقلة نوعية في تقليص المدد الزمنية للتقاضي بعدما كانت عمليات التبليغ الورقي واحدة من أكثر أسباب تعطيل الفصل في القضايا .
اليوم بعد تلك الإنجازات التي تم تطويرها وتحديثها باتت تصل التبليغات عبر الرسائل النصية والبريد الإلكتروني والمنصات الرسمية ما ألغى جزءًا كبيرًا من حالات التعذر وسدّ باب التهرب من التبليغ مما أتاح للمحكمة الانتقال مباشرة إلى المرحلة التالية دون انتظار طويل أو إجراءات غير منتجة وفي المقابل أصبح لدى المواطن وسيلة واضحة وموثقة لاستلام التبليغات مما يعزز مبدأ تكافؤ الفرص وحق الدفاع .
ومن هنا أقول لقد شكّل الانتقال إلى ملف القضية الإلكتروني خطوة إضافية في بناء منظومة قضائية رقمية متكاملة إذ بات المحامون والمتقاضون قادرين على الاطلاع على لوائح الدعاوى والمذكرات وقرارات الجلسات والأحكام والإشعارات المالية في أي وقت بعيدًا عن القيود التقليدية والانتظار لساعات الدوام ومراجعة أقلام المحاكم كما كان سابقا .
هذا التحول خفّض الضغط عن الجهاز القضائي ورفع مستوى التنظيم الداخلي وأوجد بيئة عمل أكثر دقة وسرعة وشفافية .
ويستند هذا التطور إلى بنية تشريعية داعمة أبرزها المعاملات الإلكترونية الذي منح الوثيقة الرقمية حجة قانونية تعادل المستند الورقي الأمر الذي فتح الباب أمام الاعتراف بالتواقيع الإلكترونية والوثائق الرقمية في الإجراءات الرسمية .
كما جاءت التعديلات الأخيرة على قوانين الكاتب العدل والإجراءات القضائية لتثبت هذا التحول وتمنحه الأساس القانوني الذي يمنع أي جدل حول سلامته أو مشروعيته وبذلك لم يعد استخدام الوسائل الرقمية مجرد خدمة إضافية بل أصبح جزءًا من المنظومة القانونية ذاتها .
من هنا أقول لقد انعكست هذه التغييرات على المواطن بصورة مباشرة، إذ قللت عدد الزيارات للمحاكم والدوائر الحكومية وخفّضت التكلفة المالية للتقاضي وساهمت في تسريع الفصل في القضايا بنسبة ملحوظة وأدى تقليل الاحتكاك المباشر بين المواطن والموظف إلى الحد من فرص الواسطة والتدخلات غير القانونية في حين شكّل الوصول المتزامن للمعلومات ضمانة إضافية للعدالة والشفافية وهذه النتائج جعلت التحول الإلكتروني مطلبًا عامًا وضرورة اجتماعية وليس مجرد تحديث إداري .
رغم المكاسب الكبيرة لا يزال هذا المسار يواجه تحديات موضوعية من بينها تفاوت البنية التحتية بين المحافظات واختلاف مستوى الإلمام التقني بين المتقاضين إضافة إلى مخاوف تتعلق بأمن البيانات الإلكترونية وحمايتها رغم التأكيدات الحكومية بأن الأنظمة مؤمنة وفق أعلى المعايير كما يطالب العديد من الزملاء المحاميين والمواطنين بتوسيع نطاق الخدمات الإلكترونية لتشمل مزيدًا من الدعاوى والإجراءات بما يحقق تكاملًا أكبر في العمل القضائي .
ختاما أقول أن ما تحقق حتى الآن يؤكد أن التحول نحو عملية التقاضي الإلكتروني لم يعد خيارًا مؤقتًا أو خطوة تجريبية بل هو مسار استراتيجي يعكس رؤية متقدمة للدولة في تحديث النظام العدلي وتسهيل وصول المواطنين إلى حقوقهم ومع استمرار التوسع في رقمنة الخدمات نتوقع أن يشهد المواطن خلال السنوات المقبلة منظومة قضائية أكثر مرونة وتطورًا تحقق مبدأ العدالة الناجزة وتقلل الفجوة بين المواطن والمؤسسة القضائية وتضع الأردن في موقع متقدم إقليميًا في مجال العدالة الرقمية .

