منصور يكتب: خطوة مهمة.. ولكن
د.عاصم منصور
أعلنت الحكومة ومؤسسة الحسين للسرطان عن الإجراءات التنفيذية للاتفاقية التي تم توقيعها بين الطرفين لتأمين ما يقارب أربعة ملايين مواطن ضد مرض السرطان، حيث تستهدف الاتفاقية تأمين الفئات الأكثر هشاشة وتشمل الأطفال تحت سن التاسعة عشرة، وكبار السن فوق سن الستين والأسر المستفيدة من صندوق المعونة الوطنية. وبحسب مؤشرات الإصابة الوطنية، ينتظر أن يستفيد من هذه الاتفاقية نحو أربعة آلاف ومئتي مريض سنويا؛ ما يجعلها أكبر مظلة حماية من نوعها في تاريخ المملكة.
يؤسس هذا الإنجاز لبداية مسار طويل نحو عدالة صحية شاملة، فالتغطية المستحقة لكل مواطن لا تتحقق بمجرد دفع تكاليف العلاج، بل ببناء شبكة رعاية متكاملة تشمل القطاع العام والخاص والعسكري والقطاع الخيري، تعمل جميعها ببروتوكولات موحدة ومعايير جودة صارمة، وتوزع الخدمة جغرافيا بحيث لا يحرم أي مريض من الرعاية بغض النظر عن دخله أو مكان إقامته.
ولعل أبرز ما تحققه هذه الاتفاقية هو ترسيخ مبدأ العدالة والكرامة في الحصول على الرعاية الصحية، فمنْ خلال هذه المظلة التأمينية، يصبح علاج السرطان حقًا مكفولًا للمستفيدين، لا منةً تمنح أو خدمة تتطلب “واسطة” أو تدخلًا خاصًا، وهذا يرفع عن كاهل المواطن عبئًا نفسيًا وماديًا هائلًا، ويضمن له تلقي العلاج اللازم بكرامة، معززًا بذلك ثقته بالنظام الصحي ومؤسسات الدولة.
غير أن تمويل علاج السرطان باهظ بما يكفي لاستنزاف أي خزينة عامة خاصة إذا ما اتسعت المظلة مستقبلاً، وهنا يحتم إشراك القطاع التأميني الخاص إلزاميًا؛ إذ لا بد أن تدرج منفعة التأمين ضد السرطان كحق أساسي في كل وثيقة تأمين صحي تجارية، فهذا الإلزام يوزع الكلفة بين الدولة والمؤسسات والأفراد ويضمن استدامة المنظومة.
مع ذلك، تظل الوقاية الحلقة الأهم، فالنجاح الحقيقي في مكافحة السرطان يقاس بتراجع معدلات الإصابة لا بتعاظم فاتورة العلاج. ويبدأ ذلك ببرامج توعية مدروسة تحارب التدخين، والسمنة، وأنماط الغذاء الخاطئة؛ وبحملات كشف مبكر ممنهجة على مستوى المملكة وبإدماج هذه الفحوصات ضمن المزايا التأمينية الحكومية والخاصة. يضاف إلى ذلك تمكين الرعاية الأولية لتصبح خط الدفاع الأول في معركتنا مع السرطان وتدريب الكوادر الصحية على اكتشاف الإنذارات المبكرة للسرطان، وتأسيس مسارات تحويل واضحة إلى مراكز الأورام، ومتابعة الناجين نفسيا وصحيا بعد العلاج.
إن ما أقدمت عليه الحكومة ومؤسسة الحسين للسرطان، ما كان ليتحقق لولا الالتزام والقرار الجريء الذي تبنته سمو الأميرة غيداء طلال رئيسة مجلس أمناء مؤسسة الحسين للسرطان ودولة الدكتور جعفر حسان رئيس الحكومة بعدم إمكانية استمرار الوضع على ما كان عليه، وهذا ما عكس شجاعةً سياسيةً ورؤيةً وطنيةً ترى في صحة المواطن استثمارا طويل المدى. لكن هذه الخطوة تبقى تشكل حجر الأساس لا السقف؛ إذ تنتظرنا مراحل لاستكمال التغطية الشاملة، وترسيخ الشراكة مع القطاع الخاص، وتأسيس ثقافة وقائية مجتمعية.
إذا حسن البناء على هذه الخطوة بالبصمة ذاتها من الجرأة والحكمة، فسيغدو الأردن نموذجا إقليميا لكيفية تحويل معركة مع أحد أخطر أمراض العصر إلى قصة نجاح صحي وإنساني.

