الدرعاوي يكتب: رسالة ملكية
سلامة الدرعاوي
تحمل الزيارة الملكية لجلالة الملك عبدالله الثاني إلى غرفة صناعة عمّان رسالة وطنية واضحة تتجاوز حدود البروتوكول والمشاركة في الفعاليات، إذ إنها رسالة ملكية مكتملة الأركان موجّهة للدولة والحكومة والقطاع الخاص وكل مواطن، مضمونها أن الصناعة الأردنية ركيزة من ركائز السيادة الاقتصادية، وأن دعم المنتج الوطني التزام وطني ينبغي أن يُمارَس ويُترجَم على أرض الواقع.
في زيارته، لم يكتفِ جلالة الملك بالاستماع لعرض إنجازات القطاع الصناعي للعام الجاري، بل جال بين المنتجات الأردنية، ووقف على جهود الشركات في تعزيز قدرتها التنافسية، وكأن الرسالة هنا تقول: "هذه صناعتكم، وهذا إنجازكم، وهذه مسؤوليتكم في تعزيز ثقة الأردنيين بما يصنعه أبناء بلدهم".
حضور الملك في أروقة المعرض، وتفاعله مع ممثلي المصانع والشركات، مثّل دفعة معنوية كبيرة للقطاع الصناعي الذي يواصل تصدره الإقليمي بمساهمة مباشرة تقارب 25 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تعكس قوة قطاع لم يتوقف عن النمو رغم التحديات العالمية والإقليمية.
الرسالة الملكية تتجاوز حدود التشجيع المعنوي إلى الإيعاز العملي بضرورة أن تتحول مؤسسات الدولة إلى نموذج في دعم المنتج الوطني، فالمؤسسات الرسمية مطالبة اليوم بأن تكون المشتري الأول للمنتج الأردني طالما تتوفر الجودة والسعر التنافسي، وأن تثبت بالفعل والممارسة وليس بالشعارات، إذ إن هذا التوجيه الملكي يحمل دلالة مهمة مفادها أن التنمية تبدأ من الداخل، وأن القوة الشرائية للدولة عنصر حاسم في تحفيز التشغيل والنمو الصناعي.
كما حملت الزيارة إشارة واضحة للحكومة بأن دعم القطاعات الإنتاجية ضرورة اقتصادية واجتماعية، فالقطاع الصناعي يشغّل آلاف الأردنيين، ويمثّل المحرك الأبرز للصادرات التي تجاوزت هذا العام 5.5 مليار دينار، وهو رقم يعكس أن الصناعات التحويلية لا تزال رافعة قوية للنمو، خصوصاً في القطاعات الكيميائية والدوائية والغذائية والهندسية والمحيكات.
أما الانضمام التاريخي للأردن إلى منظمة التفتيش الدوائي التعاوني (PIC/S)، فهو خطوة تضع الصناعات الدوائية الأردنية على خريطة المنافسة العالمية، وتفتح أسواقاً جديدة أمام المنتجات المطابقة لأعلى معايير الجودة.
وتقفز الرسالة الملكية كذلك نحو المستقبل، فالاطلاع على عمل مركز الابتكار الأردني للثورة الصناعية الرابعة يؤكد أن التنافسية تُبنى على الابتكار والرقمنة واستخدام التكنولوجيا، والصناعات التي لا تستثمر في التطور ستتراجع، أما الأردن فاختار الطريق الأكثر صعوبة والأكثر أهمية: اقتصاد مبني على المعرفة والتقنيات المتقدمة.
المؤشرات تظهر بقوة ووضوح إذ إن الصادرات تصل إلى أكثر من 150 سوقاً حول العالم، ونمو بنسبة 39 % خلال أربع سنوات، وحصة سوقية للصناعة المحلية تجاوزت 55 %، وفي بعض القطاعات وصلت إلى 80 %، وهذه نتائج تراكمية لقطاعات تثبت كل يوم أنها قادرة على المنافسة عالمياً.
إن الرسالة الملكية كانت رسالة ثقة، ورسالة التزام، ورسالة مطالبة في الوقت ذاته، فالثقة بقدرات الصناعيين، والالتزام بدعمهم، والمطالبة بأن تتحمل المؤسسات الحكومية مسؤوليتها في تعزيز الإنتاج الوطني وتشغيل الأردنيين.
إنها رسالة يجب أن تُقرأ جيداً وأن تُترجَم إلى سياسات فاعلة، لأن دعم الصناعة هو دعم للاقتصاد، وللاستقرار الوطني.

