العتوم يكتب : شبيحة النظام الإيراني… خطابٌ متوتر يفضح دولة مأزومة

{title}
أخبار الأردن -

 

د.نبيل العتوم

منذ أن تابعتُ جلسات منتدى الدوحة للحوار مؤخّرًا، لفتتني مداخلة محمد جواد ظريف… ذلك “غير الظريف” حين يخلع عباءة الدبلوماسي الهادئ ويكشف عن وجهٍ آخر يفيض بالحدّة والانفعال والقبح. لم تكن كلماته مجرد رأي سياسي، بل مرآة واضحة تعكس المزاج الإيراني الرسمي: توتر دائم، واستدعاء انتقائي للتاريخ، ونبرة مرتفعة تستحضر خصومًا وهميين كلما ضاقت مساحة التبرير.

لا ينبغي لأحد أن يندهش من موجات التشنّج التي تصدر عن مسؤولي طهران في كل محفل إقليمي أو دولي. فالنظام الإيراني يعيش منذ سنوات طويلة في حالة احتقان مزمن، تتأرجح بين عصبية الخطاب ونرجسية السلوك، لأنّه ببساطة لا يملك حلولًا لما يواجهه داخليًا وخارجيًا. مشروعه السياسي اصطدم بإرادات الشعوب، ورفض الجيران، وتحوّلات العالم التي تجاوزت سردية “المظلومية” "ووهم مقارعة الاستكبار"التي يتغذّى عليها النظام.

المفارقة أن أكثر الشخصيات توترًا ليست فقط قيادات الحرس الثوري أو أصوات المتشددين، بل حتى الوجوه التي روّجت لنفسها باعتبارها “عاقلة” أو “إصلاحية”. محمد جواد ظريف مثال صريح. رجلٌ درس العلاقات الدولية في أرقى الجامعات الأميركية، وتبوّأ مناصب رفيعة داخل الأمم المتحدة، وأدار وزارة الخارجية لثماني سنوات، ثم أصبح مساعدا للرئيس للشؤون الاستراتيجية قبل أن يُدفَع خارج المشهد بصورة مهينة . ومع ذلك، لا يختلف كثيرًا في نبرة العداء والتشنّج والخروج عن أدب الحوار عن خصومه داخل النظام.

في الدوحة، أعاد ظريف فجأة استحضار اسم صدام حسين بلا مناسبة، وكأنه يستدعي شبح الماضي لتبرير فشل الحاضر. هاجم الكويت بعنف لرفضها التفاوض حول حقل الدرة العربي الذي تتقاسمه السعودية مع الكويت ، وتحدث عن تاريخ يمتد “سبعة آلاف عام” مقابل عام مضطرب واجهت فيه إيران ضربات قاسية. وحين وُجّهت إليه الأسئلة عن ملف حقوق الإنسان، انقلب إلى لعبة تبادل الاتهامات المعتادة، محمّلًا الآخرين مسؤولية قوانين تعسفية يقّرها مجلس الشورى الإيراني نفسه.بتوجيه من المرشد وأجهزة استخباراته ومستشارية اللذين يعيشون بعقلية العصور الوسطى .

وإذا كان هذا حال الواجهة الدبلوماسية “الناعمة”، فكيف يبدو حال صانعي القرار الحقيقيين؟ قادة الحرس الثوري،ومستشاري المرشد ،،وقادة اجهزة الاستخبارات ، والباسيج، ورجال الحوزات المتشددة في قم ومشهد اللذين يصدرون فتاوى الدم والقتل و الذبح في سوريا والعراق واليمن … جميعهم ينطلقون من رؤية تُحوِّل العالم إلى ساحة اشتباك وصراع مفتوح؛ خاصة مع جيرانها ، ولا ترى في الحوار سوى استراحة قصيرة بين جولات التصعيد.

الحقيقة أنّ النظام الإيراني يحتاج إلى التوتر ليبقى، يصنع خصومه ليُبرّر أزماته، ويستدعي الماضي ليغطي إخفاقاته، ويصرّ على مشروع لا يريد أحد في المنطقة أن يكون جزءًا منه. ومن يعتقد أنه قادر على إيجاد قاسم مشترك مع طهران، أو بناء تفاهم عقلاني طويل الأمد، فهو واهمٌ لا يدرك طبيعة هذا النظام وسياساته. فالتقارب معها يشبه الاستجارة من الرمضاء بالنار: مكسبه مؤقّت، وخسارته مؤكدة.

إيران اليوم دولة تتحدث بصراخ مرتفع كي لا يسمع أحدٌ ارتباكها وفشلها الداخلي والخارجي ، دولة تبحث عن صراع وأزمات لتتجنب مواجهة الحقيقة المره ،ودولة لن تصلحها جولات المفاوضات التي ترعاها بعض الدول العربية … لأنها ببساطة لا تريد أن تتغيّر.

 

 


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية