بواعنه يكتب: السفير الأمريكي في عمان ..وهجوم غيرمبرر على شخصه ودوره
يعد السفير الأمريكي الجديد في عمان "جيم هولتسنايدر"وشخصية عسكرية ودبلوماسية،كسابقهِ من السفراء الأمريكان الذين خدموا في الأردن كدبلوماسيين ذات خلفيات متعددة،ممن قاموا بدورهام في ترسيخ العلاقات السياسية والاستراتيجية بين البلدين،التي دامت وما زالت لعقود طويلة رغم التباين في بعض المواقف والملفات وخاصة مواقف إسرائيل وسياستها في فلسطين المحتلة.لكن ما لفت أنظارالأردنيين بعامة صوب السفير الجديد لحيته الكثيفة والطويلة،وجولاته المتكررة والمتنوعة والتي أصبحت مادة إعلامية دسمة قابلة للتداول عبرمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الأخبارية بعضها مقبول،وبعضها غيرمقبول.بل والذهاب لتحميل كثيرمنها مساحة أكبرمن حجمها،بل ومحاولة البعض الغوص في أهداف غيرمعلنة للسفيرالجديد،ورسم سيناريوهات سياسية غيرواقعية،لا تتعدى الأوهام،ودون أن يكون لديهم ما يثبت ذلك أويبرره.
يصف الأمريكان أنفسهم السفير "جيم " بالدبلوماسي المهني المحترف. ولهذا شيئاً طبيعيا أن تراه يتنقل ويمارس نشاطات متنوعة وبحرفية عالية.فقد استطاع خلال اقامته البسيطة التي لم تتعدى شهراً في الأردن أن يقوم بأعمال وزيارات متعددة كجزءاً من نشاطه اليومي الدبلوماسي وغير الدبلوماسي كغيره من سفراء العالم في الأردن .فقد قام بعدة جولات شملت زيارته لمعرض ومهرجان الزيتون الوطني المقام في عمان.كما قام بتتاول المشاوي في إحدى المطاعم المشهورة في عمان وزارمدينة البتراء الوردية برفقة فارس بريزات رئيس سلطة اقليم البترا التنموي والسياحي داعيا لتعزيز السياحة بين البلدين.كما شملت نشاطاته جملة من المحطات الأخرى التي يعد جزءا ً تمثيلا لناحية تشاركية مع الشعب الأردني والقطاعات المختلفة،حيث تواجد مُعزيا في السلط بوفاة الصحفي عبد الرزاق أبوهزيم،وزاربيت عزاء الشيخ والوزير السابق جمال حديثة الخريشا في الموقرمعزيا أيضا،والتي لم تتعدى نشاطاته تلك التعبيرعن عمق العلاقات بين البعثة الدبلوماسية الأمريكية والمجتمع الأردني.
السؤال الذي يطرح نفسه،لماذا كل هذا التركيز،وهذه الضجة الإعلامية غيرالمبررة على جولات السفيرالأمريكي فقط. في حين أن هناك سفراء آخرون يقومون بمثل ذلك دون أن ينتقدهم أحد ؟ بل على العكس تجد أن كثيراًمن الأردنيين سواءً من النخب كالأعيان أوالنواب أو الوزراء يرغبون بدعوة سفراء العرب أوسفراء آسيويين لموائدهم أولدواوينهم لغايات متعددة كالأفتخاربهم أوللتعرف على أقاربهم لعلهم ينالون خدمة أوتوظيف،ولعل بعضهم يمارس ذلك لمصالح شخصية. فلماذا تباح هذه الزيارات لأولئك السفراء وتحرّم على السفيرالأمريكي في عمان . وقد رصدتُ عبرمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية أن هناك سفراء عرب وأجانب يزورون مطاعم ومنشأت أقتصادية وجامعات ووزارات وحتى رئاسة الأركان دون أن نسمع ضجيجا،أويتم التعلق على تلك الزيارات إلا ضمن إشارات بسيطة.كما وتوجه لهؤلاء السفراء الدعوات لحضورمؤتمرات ومعارض وحفلات زفاف وغيرها،ويذهبون لبيوت العزاء ومناطق سياحية وغيرها الكثير،وتمرتلك الوقائع كلها عبرالمواقع الإعلامية والإخبارية كأحداث عادية،لكننا لا نجد صخبا إعلاميا كما حدث للسفيرالأمريكي مؤخرا. وقد شاهدت زيارة لسفيرالأتحاد الأوروبي فونتانا عام 2019 لمدينة سحاب ومأدبا للأطمئنان على وضع العمالة الأردنية في احدى مصانع الألبسة ضمن مبادرة بين الأردن ومنظمة العمل الدولية وبتمويل من الاتحاد الأوروبي،بهدف النهوض بالاقتصاد الأردني ومساعدته بنمواقتصادي مستدام.ولم نرى اعتراضا أواعتبار ذلك أنه تدخلا في الشؤون المحلية أورغبة بالهيمنة،رغم مواقف الأوروبيين المختلفة من قضايا الشرق الأوسط وفلسطين وإسرائيل.
تتلخص واجبات أي سفيرأمريكي باهتمامه ومتابعاته لقضايا متعددة ورئيسية،بعضها متعلق بعلاقة دولته أي الولايات المتحدة الأمريكية مع الدولة المضيفة،وبعضها متعلق بالمحافظة على سلامة مواطنيهم الأمريكان في المملكة الأردنية الهاشمية. وهناك مهام أخرى تتمثل بحماية وصون المصالح الأمريكية والنهوض بها . كما تدخل ضمن مهام أي سفيرأمريكي في حالة استلم مهامه الدبلوماسية كسفير،تعزيزالشراكة مع حكومة الأردن والشعب الأردني.وهذا ما صرح به السفيرالسابق هنري ووستر. إذ تعهد هنري نفسه بسعيه لمساعدة الأردن على التعافي من جاحة كورونا بعد حدوثها.أما السفيرة الأمريكية السابقة[ أليس ولز] في أيام الرئيس أوباما،فقد كانت تعتزبحبها لثقافات الشرق الأوسط ومنها الأردن.كما أبدت اهتماما بالشباب وحرصها لتنمية قدراتهم لعلهم ينالوا فرصا جيدة في الحياة،وكان من أبرزأهدافها مساعدة الأردن للوصول لأهدافه في الاصلاح الاقتصادي والسياسي نظرا ًلحجم التحديات التي يعاني منها.واعتبرت أن الأردن دولة غنية بالكنوزالثقافية والجمال الطبيعي،وقد استمتعت هي شخصيا بذلك نتيجة رحلاتها وجولاتها في ربوع الأردن وأماكنه السياحية ومناظره الخلابة إذ سبق لها أن عاشت بالأردن مع والدها. أفلا يعد ذلك خدمة للأرن وترويجا سياحيا لمناطقه وفتحا لآفاق الشباب في الأردن للبحث عن فرص عمل وغيرها.
الأمثلة السابقة تدل دلالة واضحة على أن السفير"جيم هولتسنايدر" لا يعدهوالسفيرالأمريكي الوحيد الذي قانم بمثل تلك الجولات والزيارات،فقد سبقه الكثيرون ممن تجولوا في عمان، وعبّروا عن اعجابهم بمناطق كثيرة بالأردن. فلم يستهجن الأردنيون في وقتها ماقام به القائم بأعمال السفارة الأمريكية " هنري ووستر"عندما أبدى اعجابه أمام شاشة التلفاز ب "سيل الزرقاء"عام 2018،إذ كان يعتبره المكان المفضل عنده.إذ لم نشهد روايات وقصص وتعليقات من الأردنيين عن تلك الزيارة واعجابه بمناظرها الخلابة فيها،في حين اعتبرالأردنيون كل ما قام به "جيم هولتسنايدر " أمراً مستغربا وذا مرامي وأهداف خفية. كفى أيها الأردنيبون عبثا بصورة الأردن وعلاقاتها الخارجية.وأعتقد جازما أن الأمورأخذت لدى بعض الأردنيين منحى بعيداً،بحيث انحرفت البوصلة لدى هؤلاء عن طبيعة الأردنيين وأصالتهم وعكست لونا جديدا عدائيا لم نلحظه من قبل للحكم على بعض الدبلوماسيين وخاصة الولايات المتحدة التي تعد شريكا استراتيجيا للأردن منذ عقود وأكبر داعم للاقتصاد الأردني وجيّشه.
دعونا ننظربعين التفائل لا بالسوداوية.دعونا نمد جسورالتعاون لاجسورالهدم من خلال الممثلين الدبلوماسيين في بلادنا.دعونا نلتفت لمصالح بلدنا لا للنقد الذي لن يغيّر حالا، بغض النظرعن السياسة العامة للولايات المتحدة من القضايا الإقليمية وخاصة ما يحدث في فلسطين المحتلة من قبل العدوالإسرائيلي وما يرتكبه من ممارسات غير إنسانية.إذ أن موقفنا وأحكامنّا من تحركات السفيرونشاطاته وردة فعلنّا نحوها لن تغيرمن تلك السياسة الأمريكية شيئا.ويجب على الجميع أن يعلم أن قيادتنا الحصيفة قادرة على وضع النقاط على الحروف،وقد بين جلالة الملك موقفتا الأردني الواضح مما يحدث في غزة،ودعمنا لأهلنا هناك ودعواته المستمرة لإسرائيل لوقف تلك السياسات الأحادية التي تمارس في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وللأسف فقد لوحظ مؤخرا ًعبرمواقع التواصل ومن خلال مقالات صحفية كثيرة محاولات التشكيك بنوايا وأهداف السفيرالجديد وحكومته،بغرض الوصول لاستراتيجيات تهدف الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذها من خلال السفيرتصل لحد الهيمنة. حتى أن أحد الكتاب ذهب بعيداً في تحليله وشططه ووصفه الغيرمنطقي وغير المسؤول والذي شكل بصياغته بهذه الطريقة إساءة للدولة وقدراتها،حينما أشارأن السفيربدأ بالشماغ والزيتون والمنسف كأدوات سياسية ناعمة لقياس المزاج العام للشعب وبناء الثقة قبل أي لقاء رسمي مع صناع القراربهدف أن تكون الولايات المتحدة حاضرة شعبيا قبل أن تكون رسميا،واصفا مجيء السفيرالحالي،بأنه جاء لا ليؤسس دورا بروتوكوليا عابرا،بل نفوذ اً طويل الأمد. وكأن الكاتب أراد القول تلميحا لاستعمار جديد.وفي حكمه وتفسيره هذا يكون قد اخطأ خطأ فادحا،لأن ذلك لايمت للواقع بصلة،ولأنه حمّل الأمورأكثرما تحتمل وإلباسها ثوبا غيرالذي هي عليه. وتفسيره هذا ينم عن جهل وعدم وعي سياسي بالدورالأردني وإمكانياته وأجهزته وقيادته. فالأردن اليوم لم يعد في مرحلة قبل الاستقلال،كما ذهب هووغيره لنسج روايات وشخصيات سياسية قديمة كان لها سابقا ارتباط بالأردن وسياسته مثل كلوب ولورنس العرب.فهذا دليل عدم حصافة سياسية واستحضار غيرموفق للتاريخ، بل وفي غيّرمكانة البتة.
وخلاصة القول نحن دولة قانون وبلد ديمقراطي نتمتع بسيادتنا الكاملة ونعتزونفتخربشراكاتنا الاستراتيجية مع الدول الكبرى،مثل الولايات المتحدة الأمريكية،لما فيه مصلحة بلادنا وشعبنا ،والتي تقوم وتؤسس بما يمليه عليّنا دستورنا وقيمنّا العربية والإسلامية وحكمة قيادتنا السياسية الفذة بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني .
أكاديمي أردني / جامعة البلقاء التطبيقية

