العتوم يكتب ساعة الصفر اقتربت
د. نبيل العتوم
في الأيام الأخيرة، تحوّل الجدل داخل إيران من نقاش سياسي متوتر إلى ما يشبه الفضيحة الوطنية، بعد تسريب مقاطع تُظهر مغادرة عائلات عدد من قادة النظام البلاد بهدوء، فيما تتصاعد داخل طهران لهجة التحذير من ظروف استثنائية. التصريحات التي أدلى بها عضو لجنة الصناعات والمناجم في البرلمان الإيراني، مصطفى بوردهقان، جاءت كصفعة للنظام نفسه: مسؤولون وأبناء مسؤولين يغادرون تحت ذرائع “غريبة وعجيبة”، كما وصفها، بينما يُطلَب من الشعب أن “يصمد ويقاوم”. المفارقة أن النائب، رغم تأييده المبدئي لحرية السفر، لم يغفل الإشارة إلى التناقض المؤلم بين الكلام عن الثبات والواقع الذي يجسد انسحابًا صامتًا لطبقة الحكم.
هذا النوع من الهروب لا يعني فقط أزمة ثقة داخلية، بل يُقرأ في الأدبيات الاستخبارية باعتباره واحدًا من أدق المؤشرات المبكرة على تهديد كبير يقترب؛ فالعائلات لا تغادر في لحظات التوتر العابر، بل حين تشعر النخب بأن الحسابات تتحرك باتجاه تصعيد غير قابل للاحتواء. هنا تحديدًا يتقاطع هذا النزوح الصامت مع تزايد الحديث في تل أبيب وواشنطن حول لحظة فاصلة محتملة، وضربة إسرائيلية واسعة ونوعية وغير مسبوقة ضد البنية التحتية العسكرية الإيرانية ؛ لاسيما النووي والصاروخي، الى جانب أذرعها الإقليمية؛ وفي مقدمتها حزب الله اللبناني بعد وصول مسألة نزع سلاح الحزب الى طريق مسدود .
وبينما تنفي طهران رسميًا أي مؤشرات على خطر داهم، فإن هروب العائلات لا يحتاج إلى بيانات حكومية ليقرأه الشارع: إنه إعلان غير معلن بأن النخبة لم تعد ترى البلاد آمنة. هذا السلوك يعمّق فجوة الثقة بين الشعب وحكامه، ويؤكد أن الخطاب الرسمي الذي يطالب بالصمود مجرد واجهة تُرفع أمام جمهور لا يملك رفاهية الهروب، بينما مَن يملكون السلطة يمتلكون أيضًا تذاكر المغادرة.
تسارع هذه الظاهرة يعكس حالة هلع داخلية، خصوصًا مع كثرة التحليلات التي ترى أن إسرائيل باتت أقرب من أي وقت سابق إلى اتخاذ قرار الضربة الثانية . ومع كل شائعة عن تحرك عسكري أو تحذير استخباري، يزداد حجم الأسئلة حول مَن سيبقى في البلاد لحظة "ساعة الصفر"، ومن يستعد لمشاهدة المشهد ومتابعته من الخارج.
ما يجري اليوم لا يتعلق فقط بسفر عائلات، بل بمشهد كامل من تفكك صامت لطبقة الحكم، تعكسه تصريحات المسؤولين أنفسهم، وتكشفه عدسات الهواتف المحمولة التي رصدت المغادرين عبر المطارات. وبينما يحاول النظام احتواء الصور والروايات، تبقى الحقيقة واضحة: هناك مَن يعرف أكثر مما يقال، ومَن يتصرف قبل أن يصرّح. وفي الشرق الأوسط، حين تتحرك العائلات أولًا، فهذا يعني أن شيئًا كبيرًا وخطيرا قد اقترب بالفعل.

