العبادي يكتب: ضعف البنية التحتية… وسياسات جباية تكشفها كل أول موجة أمطار

{title}
أخبار الأردن -

بقلم د.فوزان العبادي

 

من يتأمل حال البنية التحتية في الأردن اليوم، يلحظ بسهولة أن المشكلة لم تعد في نقص الموارد فقط، بل في الإرث التراكمي لإدارات متعاقبة اختزلت التخطيط والحوكمة بالبحث عن إيرادات سريعة من جيب المواطن. سنوات من الإدارة المرتجلة جعلت خدمات أساسية—من الطرق إلى شبكات الصرف—أكثر هشاشة من أن تصمد أمام لحظة ضغط حقيقية.

وما حدث اليوم من فيضانات في عدة طرق بعد دقائق من هطول مطر قصير ليس حدثاً استثنائياً؛ بل نتيجة طبيعية لبنية تحتية ضعيفة لم تُحدَّث كما يجب، ولم تُصَن كما ينبغي، ولم تُخصَّص لها موازنات كافية. فكم من المرات تحولت الشوارع إلى مسابح، وتضررت المركبات، وتعطلت الحياة اليومية، فقط لأن شبكات تصريف مياه الأمطار لا تتجاوز كونها حلولاً ترقيعية تعود للواجهة مع كل فصل شتاء.

ورغم وضوح المشكلة، اختارت الحكومات المتعاقبة الطريق الأسهل: الجباية.
فبدلاً من تطوير شبكات الصرف، أو تحديث خطوط البنية التحتية، أو رفع كفاءة الطرق، جاء التركيز الأكبر على تغليظ المخالفات المالية وزرع آلاف الكاميرات تحت شعار “الحد من الحوادث” و“ضبط المرور”.
لكن لا كاميرات المخالفات أوقفت الحوادث، ولا الغرامات خفّضت التجاوزات، ولا كل هذه الجباية حلّت مشكلة البنية التحتية التي تكشف نفسها بمجرد أول غيمة عابرة.

ولو كان الهدف فعلاً حماية الأرواح والممتلكات، سواء من الحوادث أو من الفيضانات، لذهبت الحكومة إلى إدارة حديثة تحترم المواطن وتغيّر السلوك، لا إدارته كرقم في معادلة مالية.

من أهم هذه الأدوات نظام النقاط للمخالفات المرورية، وهو نظام مطبق في دول كثيرة أثبت فاعليته في تقليل الحوادث دون تحميل الناس غرامات متزايدة.
نظامٌ يُصنّف المخالفات حسب خطورتها، ويمنح كل مخالفة عدداً من النقاط، ثم يفرض إجراءات تدريجية تبدأ من حجز الرخصة لأسبوع، وتمتد إلى منع السائق من القيادة لعدة أشهر، وقد تصل إلى شطب الرخصة للمخالفات شديدة الخطورة.
هذا النظام يحقق الهدف الحقيقي: تغيير السلوك. أمّا الاعتماد على الغرامات فقط فليس إلا مورداً مالياً لا يعالج أصل المشكلة.

المشهد العام اليوم واضح:

طرق تتضرر بسرعة.

شبكات صرف عاجزة حتى أمام مطر خفيف.

إدارة تركز على التخطيط الورقي أكثر من الإصلاح الحقيقي.

ومواطن يتحمّل التكلفة دائماً، سواء من خلال الضرائب أو الغرامات أو نتائج الإخفاقات الهندسية.


الأردن يحتاج إلى إدارة تعيد ترتيب الأولويات:
إصلاح حقيقي للبنية التحتية، تطوير منظومة النقل، تحديث شبكات الصرف، والانتقال من عقلية الجباية إلى عقلية الخدمة العامة.
إدارة تعي أن المواطن شريك، لا ممول دائم لسوء التخطيط.

فالأمطار القصيرة التي أغرقت الشوارع اليوم ليست مشكلة طقس… بل شهادة واقعية على ضعف إدارة استمرت لسنوات، وحان الوقت لتغييرها بأدوات فعّالة تحمي الناس، لا جيوبهم.

بقلم د.فوزان العبادي

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية