الديري تكتب: الأردن يستحق بنية تحميه… لا كاميرات تراقبه
حلا الديري
لم يكن ما شهدته عمّان مجرّد مطر… كان صفعة حقيقية أيقظت المدينة على واقعٍ تتجاهله الجهات المسؤولة كل عام. بنية تحتية تتعب من أول امتحان، و"جاهزية" لا تظهر إلا في التصريحات. ساعات قليلة من الهطول كانت كافية لتغرق الشوارع، وتغلق الأنفاق، وتحوّل السيارات إلى أشياء طافية في مجرى السيل. الناس نظرت حولها بدهشة ممزوجة بغضب وسألت السؤال الذي يتكرر كل شتاء دون جواب: أين هي الجاهزية التي نسمع عنها كل عام؟
الجهات الرسمية تتحدث دائمًا عن خطط، ولجان، واستعدادات… لكن ما يظهر على الأرض شيء آخر. الجاهزية التي خرجت على الإعلام ليست هي الجاهزية التي تبحث عنها الناس. وكأن الجاهزية اليوم تعني “تركيب كاميرات” لمراقبة الشعب، لا مراقبة الشوارع. تعني زيادة رسوم وأعباء على المواطن، لا زيادة مسؤولية على الإدارات. تُصرف الميزانيات على ما يرهق جيب الناس، بينما البنية التحتية التي تحمي أرواحهم تُترك لرحمة الطقس.
والأغرب أن المواطن يُطالَب بالدفع دائمًا: ضرائب، رسوم، مخالفات، وأثمان خدمات تُحصَّل بدقة لا تخطئ. كل شيء مطلوب منه… إلا أن تكون شوارعه آمنة. فإذا كان المواطن يفي بما عليه، فمن حقه أن يرى جاهزية حقيقية، لا جاهزية تُعلَّق على اللافتات وتُقال في المؤتمرات. من حقه أن يمشي في شارع لا يغرق، وأن يقود سيارته دون أن يخشى أن تتحول حفرة صغيرة إلى فخ. الجاهزية مسؤولية قبل أن تكون إنجازًا تتباهى به المؤسسات.
المطر ليس مفاجأة. الشتاء ليس ظاهرة جديدة. والسيول لم تهبط علينا من المريخ. كل ما جرى قابل للتوقع… وقابل للمنع. فالمدن لا تُغرقها السماء، بل تُغرقها الإدارة السيئة. والمياه لا تسدّ الشوارع، بل يسدّها التقصير والإهمال، وسنوات من “التجميل السطحي” الذي يُخفي العيب ولا يعالجه.
ومع ذلك، تُساق الأعذار نفسها كل مرة: “أمطار غير مسبوقة”، “ظروف استثنائية”، “منخفض قوي”. المشكلة ليست في قوة المطر، بل في ضعف الاستعداد. ليست المشكلة في الغزارة، بل في غياب التخطيط. ليست المشكلة في السحابة، بل في من لم يستعد لها رغم معرفته بقدومها.
الناس تضررت:محلات غُمرت، سيارات تعطلت، أرزاق تلفت، وأعصاب احترقت. وهذا يقودنا للسؤال الذي يطفو مع كل موجة مطر: من المسؤول؟ من سيحاسب على الخسائر؟ من سيتحمل تبعات التقصير؟ أم أن القصة ستنتهي كما انتهت عشرات القصص قبلها… ببيان، وترقيع، وصمت؟
ما تطلبه الناس ليس معجزة. تطلب شوارع لا تغرق بعد ساعة مطر. تطلب أمانة تتحرك قبل الأزمة لا بعدها. تطلب جاهزية تُثبت نفسها على الأرض لا على الورق. تطلب مسؤول يخرج ليقول: أخطأنا… وسنصحح.
الأردن يستحق بنية تحتية تحترم مواطنيه. والناس تستحق مؤسسات تعطي الأولوية لسلامتهم قبل كاميراتهم. ولعلّ هذا المطر، يكون صرخة تنبيه أخيرة بأن الجاهزية ليست شعارًا… بل مسؤولية، ومن يتجاهلها يدفع الناس ثمنها كل شتاء.

