الزيود تكتب: الرؤية الملكية واضحة… لكن هل بيئتنا الإعلامية قادرة على حملها؟
دعاء الزيود
رداً على قراءة معالي د.احمد علي العويدي … ومساحة الصوت الغائب
لا يمكن لأي صحفي، مهما ابتعد عن المهنة، أن يمرّ على قراءة معالي الدكتور أحمد علي العويدي مرورًا خفيفًا. فالنص الذي قدّمه عن «الرؤية الملكية لحرية الصحافة والتعبير» نصّ واثق، عميق، ومحترم في منطقه. لكنه، بالنسبة لي—وأنا التي غادرت العمل الصحفي مُكرهة لا مختارة—فتح بابًا قديمًا ظلّ مغلقًا بصمت: أين نقف اليوم من هذه الحرية التي نتحدّث عنها؟
معاليه قدّم قراءة رصينة في المفهوم، لكن التجربة العملية تقول شيئًا آخر.
اليوم، تُرفع شعارات الحرية، لكن البيئة الإعلامية ما تزال تضيق بالصحفي المستقل، وتحاصره بشروط لا علاقة لها لا بالرؤية الملكية، ولا بروح الدولة، ولا بكرامة المهنة. هناك فجوة واضحة بين الرؤية التي تُطرح على الورق، وبين الإجراءات التي تُمارس على أرض الواقع.
أنا واحدة من صحفيات الأردن القليلات اللواتي كتبن في الشأن السياسي بجرأة مسؤولة، وبحسّ وطني يجعل السؤال واجبًا. ومع ذلك، وجدت نفسي خارج المهنة، لا لضعف في الحبر، ولا لقلة في الحضور، وإنما لأن المساحة تضيق، ولأن نظام النقاط والإجراءات اللاحقة عليه جعل من العمل المستقل شبه مستحيل… ومن الصوت الحر عبئًا لا طاقة للمنظومة عليه.
ليس في ردي هذا أي انتقاص من قيمة ما طرحه معاليه؛ على العكس تمامًا، كلامه يعيد فتح نقاش نحن بأمسّ الحاجة إليه اليوم.
لكنّ هذا النقاش لن يكتمل إن لم يُطرح السؤال الذي ظلّ محظورًا لسنوات:
هل لدينا فعلًا بيئة إعلامية قادرة على استيعاب الصحفيين المستقلين؟ أم أننا نضيّعهم واحدًا تلو الآخر؟
هذا السؤال ليس اعتراضًا، ولا تمرّدًا، ولا مغالبة.
هذا السؤال محاولة صادقة لردم فجوة بين رؤية ملك يؤمن بالحرية، وبين واقع يضيّق على أصحابها.
نحن—الذين خرجنا من الإعلام جسدًا وبقينا فيه قلبًا—لا نكتب نكاية بأحد، إنما حرصًا على مهنة تُبنى بها الدول وتُصان بها الحقيقة.
وإذا كان هناك من يُعيد فتح النقاش اليوم، فواجبنا أن نقول ما نعرفه، لا ما يُتوقّع منا قوله.
معاليه وضع قراءة وازنة…
وأنا أضع تجربة وازنة أخرى.
وبينهما، تظل الحقيقة بحاجة إلى مساحة أكبر مما يُتاح.

