العتوم يكتب: نقل العاصمة طهران.. هل تحاول ايران إخفاء كارثة إشعاع نووي تحت ركام القصف؟
د. نبيل العتوم
يتعامل الإيرانيون اليوم مع واحد من أكثر القرارات حساسية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، قرار نقل العاصمة من طهران إلى مدينة أخرى، وهو قرار تحاول الحكومة تبسيطه وربطه بشحّ المياه وتدهور البنى التحتية والتخوفات الزلزالية. إلا أن ما يدور خلف الكواليس في طهران يكشف صورة مختلفة تماماً، صورة تُمزّق الرواية الرسمية وتضعنا أمام مرحلة جديدة تتشكل بصمت داخل الدولة الإيرانية.
خلال خمس سنوات قضيتها في إيران في جامعة طهران لدراسة العلوم السياسية ضمن برنامج متخصص بالشؤون الإيرانية، عايشتُ عن قرب طبيعة تعامل النظام مع المعلومات الحساسة، ورأيت بنفسي كيف تُصنع الرواية الرسمية في المكاتب المغلقة، وكيف يتم تدوير الحقائق بما يخدم احتواء الأزمات. هذا الاحتكاك جعلني أدرك أن تفسير القرار الإيراني يتجاوز بكثير مبررات الزلازل وشحّ المياه، ويدخل في عمق هواجس النظام تجاه أمنه الداخلي وشرعية مركزه السياسي.
فالضربة التي تعرّضت لها طهران خلال معركة الأيام الاثني عشر من القاذفات الامريكية والإسرائيلية كانت أخطر مما اعترفت به السلطات. فقد طال القصف مواقع شديدة الحساسية، بعضها مرتبط بمنشآت نووية رئيسية أو مراكز بحث وتقنية قريبة منها داخل النطاق الجغرافي للعاصمة طهران ، ما أثار قلقاً داخل المؤسسات حول طبيعة المواد المبعثرة تحت الأنقاض. فوجود منشآت ذات طبيعة نووية ويورانيوم مخصب بكميات ونسب عالية جدا بالقرب من مدينة مكتظة مثل طهران يجعل أي استهداف قابلاً لإطلاق انبعاثات أو تلوثات دقيقة لا تظهر فوراً، لكنها قد تبرز عند رفع الركام أو إعادة تأهيل تلك المناطق. وهذا تحديداً ما تحاول السلطات التعتيم عليه، خوفاً من أن يؤدي أي كشف لحقيقة الانبعاثات المحتملة إلى تفجير غضب شعبي أو اتهامات بفشل أمني من العيار الثقيل.
رفع الأنقاض في مناطق تضم مواد نووية وأجهزة طرد متطورة أو مكوّنات حساسة قد يؤدي إلى انبعاث جزيئات أو مواد ملوثة كانت محتجزة تحت الركام، وهو ما يدركه الخبراء داخل النظام. لذلك تتعامل طهران مع المواقع المتضررة بسرية عالية، وتمنع تداول المعلومات حول أثر القصف على سلامة البيئة المحيطة، في محاولة واضحة لمنع تكوّن رواية شعبية عن “كارثة إشعاع نووي كبرى ” غير معلنة. وهذا الخطر تحديداً يُعدّ أحد الدوافع العميقة وراء تقليل الاعتماد على العاصمة الحالية ونقل المراكز السيادية نحو مناطق أكثر أمناً.
إصرار الحكومة على حصر القضية في أزمة المياه والبنى التحتية هو محاولة لتخفيف وقع الحقيقة، لكن التسريبات من المصادر القريبة من دوائر القرار تتحدث عن هواجس أكبر ترتبط بقدرة النظام على الصمود خلال أي مواجهة مستقبلية، وبتداعيات القصف الأخير على بنية القيادة ذاتها. الاعتراف بالأسباب الحقيقية يعني الاعتراف بأن قلب الدولة أصبح هشاً، وأن العاصمة لم تعد المكان الآمن لقيادة إيران في المراحل القادمة.
إلى جانب ذلك، تتصاعد داخل إيران نقاشات حساسة حول التوزيع القومي والعرقي في البلاد، واحتمالات انفجار التوترات العرقية في لحظة حرجة خاصة مع استطلاع راي عام نشره الموقع الخاص لرئاسة الجمهورية خلص ان نسبة الغضب الشعبي وصلت الى 92 %. ومع ازدياد القلق من سيناريوهات الانقسام الداخلي، قد يصبح نقل العاصمة خطوة استباقية لإعادة تموضع سياسي وأمني يحمي مؤسسات الدولة من أي زلزال اجتماعي محتمل.
في المحصلة، تبدو الرواية الرسمية مجرد قشرة تغطي واقعاً أكثر هشاشة وخطورة. فقرار نقل العاصمة ليس مشروعاً عمرانياً أو بيئياً فحسب، بل يعكس ارتباكاً عميقاً داخل المؤسسة الحاكمة التي تواجه ضغوطاً عسكرية، ومخاطر بيئية دفينة خطيرة جدا ، وتحوّلات داخلية قد تعيد رسم ملامح الدولة ذاتها. ما يجري في طهران اليوم يشير إلى أن إيران تدخل مرحلة جديدة تماماً، وأن قرار نقل العاصمة ليس إلا أحد أعراض التغيّر الكبير الذي تخشاه القيادة قبل أن تهتز الأرض—سياسياً وبيئياً—تحت أقدامها.

