الدباس يكتب: ملك يطير 35 ساعة.. ووزارة لا تقوى حتى على الزحف..

{title}
أخبار الأردن -

 

 

محمود الدباس

كانت الحكاية تبدأ غالباً من نافذة طائرة.. تشق عتمة الليل فوق محيطٍ لا نهاية له.. هناك حيث يجلس الملك وحيداً مع إرهاقه.. يطالع أوراقاً لا تنتهي.. ويسابق الزمن.. كأنه موظف على سلم خدمةٍ لا يملك رفاهية التأخر.. تسع ليالٍ كان فيها الوطن على كتفيه.. وخمس وثلاثون ساعة طيران تُسندها عشرات المقابلات والحوارات.. التي تتوالى بلا توقف.. وكأن الرجل يطارد العالم.. كي يلتفت إلى الأردن لحظة واحدة.. لحظة تكفي كي نكسر قيد الجغرافيا.. ونضع بلداً صغيراً على خرائط الكبار..

وهنا تكمن المفارقة التي تكاد تشق الصدر.. فبينما يسافر الملك من أقصى الشرق إلى أقصى الجنوب.. يفتح أبواباً مغلقة.. ويعرض امكانات بلده على أرصفة السياسة والاقتصاد.. يعود إلى عمّان.. فيتجه مباشرة إلى مكتبه.. كأن الطائرة لم تبتلعه ليلاً بكامل مشقتها.. وكأن جسده لا يعرف معنى الإرهاق.. يعود ليبتسم للناس.. ابتسامة تخفي خلفها صمتاً طويلاً.. يعرفه كل من جرّب السفر والعمل والقرار في اللحظة ذاتها..

لكن ما الذي يحدث على الجهة الأخرى؟!.. هنا يبدأ الوجع الحقيقي.. هنا يبدأ السؤال المر.. الذي لا يمكن التحايل عليه.. لأن الحقيقة تقف عارية أمامنا كما لو أنها تصرخ..

الملك يركض ويبني.. ومسؤولون يهدمون..

كيف يعقل أن يمضي رأس الدولة تسعة أيام يفاوض.. ويقنع.. ويسوّق.. ويعرّف العالم ببلده.. بينما لا تزال وزارة الاستثمار عاجزة عن جذب مستثمرٍ واحد.. دون أن تترك خلفه ملفاً من العقد.. والانتظار.. وسوء الاستقبال؟!.. كيف يعقل أن يعود الملك ببارقة أمل.. فيجد المستثمر أمام نفس الطاقم القديم.. نفس الإجراءات الثقيلة.. نفس البيروقراطية التي لم تفكك.. رغم عشرات الوعود؟!..

وتتدحرج الأسئلة في صدر المواطن دحرجة لا تهدأ..
هل سيتم تعديل.. أو نقاش.. أو تحسين إجراءات الاستثمار؟!..
هل يعرف أي مواطن إنجازاً واحداً لوزارة الاستثمار يمكن أن يشهد له الواقع؟!..
هل تصدر الوزارة تقارير رسمية ونحن لا نراها.. أم أنها لا تصدر شيئاً أصلاً؟!..
هل هناك ناطق رسمي يجيب.. أم أن الأسئلة تسقط في الفراغ؟!..
وإذا كان رأس الدولة يسافر نيابة عن وزارة الاستثمار.. فهل يعقل أن يأتي المستثمر ليجد الوزارة غير جاهزة لاستقباله؟!..

ثم يأتي السؤال الأكبر الذي يجر خلفه ظلاً ثقيلاً.. مَن يراقب وزارة الاستثمار؟!.. مَن يتابع أداءها؟!.. هل تعمل وحدها.. منعزلة عن الأردن.. وكأنها مؤسسة خاصة ليست لها علاقة بمستقبل بلدٍ كامل؟!..

وما قصة نظام الربط الإلكتروني الموحد الذي لم نلمس أثره؟!.. وهل سيتم تعديل التشريعات التي طال نومها؟!.. وهل نحن بحاجة إلى استثمارات أصلاً؟!.. أم أننا نكتفي بخطابات متفائلة تمر أمام الكاميرات بلا أثر؟!..

وهنا يعود المشهد إلى تصريح المناصير الذي عبّر فيه عمّا يعانيه ليس هو فقط.. بل مئات المستثمرين.. فدوّى يومها كصفعة على الطاولة.. فهل أخطأ الرجل حين علّق الجرس؟!.. أم أنه لم يجد القط ليعلقه في رقبته.. فقرر أن يقرعه بنفسه؟!.. ثم أين تقرير المتسوق الخفي الذي وعدت به الحكومة؟!.. أم أن التقرير سقط في الأدراج.. كما تسقط كل أدوات قياس الأداء التي نخجل من نتائجها؟!..

الحكاية ليست سفر الملك.. ولا الساعات الخمس والثلاثين التي أمضاها في الجو.. فهذه تفاصيل يعرفها جسده.. قبل أن يعرفها أحد.. 
الحكاية أن الرجل يعمل بدل مؤسسات كاملة.. يدفع البلاد على كتفيه.. بينما البعض يجرها إلى الخلف.. بلا مسؤولية ولا حياء..

ويبقى السؤال الذي يشبه محكمة مفتوحة.. إلى متى يركض الملك وحده؟!.. وإلى متى سيبقى البناء من هناك.. والهدم من هنا؟!..

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية