أبو زينة يكتب: أن تفكر كفلسطيني..! (18)

{title}
أخبار الأردن -

 

علاء الدين أبو زينة

لا سلام للفلسطينيين..! (1)
يكفي الفلسطينيين في هذه الحقبة من التاريخ ألمًا معرفتهم أن تحقيق السلام والحرية والوطن لهم قريب من تاسع المستحيلات. كان قدَرهُم أن يكون إفناؤهم التاريخي هو شرط هيمنة أعتى القوى الاستعمارية وأكثرها وحشية على منطقة حيوية جدًا من العالم. والمفارقة هي أن صمودهم وبقاءهم على قيد الحياة كشعب أمام كل هذا القتل والقمع والخذلانات والخيانات –وهي المعجزة الثامنة في حد ذاتها- هو سبب ألمهم، حيث لو سلّموا وقبلوا بالإقصاء التاريخي لكان «ما لجُرحٍ بميِّتٍ إيلامُ». وفي الحقيقة، وصل البعض منهم من شدة الوجع إلى استمراء الموت المدبّر/ الرحيم الذي بلا ألم، وهم ينصحون شعبهم بالاستسلام للموت التاريخي لتجنب الألم، ولاموا مواطنيهم المقاومين على مقاومتهم!
 

تقول المقرِّرة الأممية، صديقة الفلسطينيين، فرانتشيسكا ألبانيزي في مقابلة: «أعتقد أن تحقيق ’إسرائيل الكبرى‘ هو التفسير الجوهري للتصميم الإمبريالي الأميركي في تلك المنطقة من العالم (الشرق الأوسط)، الذي يبقى فيه الفلسطينيون شوكة –ليس في خاصرة إسرائيل فحسب، بل في خاصرة المشروع الإمبريالي نفسه، لأن الفلسطينيين ما يزالون هناك، يقاومون.
«إنهم لا يريدون أن يذهبوا، وهم لا يريدون أن يُروَّضوا، ولا يريدون أن يُهيمن عليهم أحد. لذلك هم خط الدفاع الأخير، آخر جبهة مقاومة، ماديًا وفي الخيال على حد سواء. لذلك تتصاعد الوحشية ضدهم مع استعداد الولايات المتحدة الآن لنشر جنود على الأرض للتخلص منهم. هذه هي قراءتي للمخطط العام وراء العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة...». (انتهى الاقتباس)
هذا هو وصف الموقف في فقرتين. وهو الذي يجعل الفلسطينيين يأسفون وهم يرون حجم الذين يعملون على إتمام هزيمتهم، لتنهزم معهم الكرامة والحرية وتقرير المصير -كمفاهيم إنسانية أولًا، وكتطلع أثير للملايين من شعوب الإقليم.
كيف يرى الفلسطينيون «خطة ترامب» التي حوّلها إلى قرار أممي؟! انسَ مَن وافق عليها ومَن رفضها – ولو أنه مؤشر معقول على رداءة/ جودة المشروع. ثمة مقياس أثبتته التجربة الفلسطينية الطويلة، وينبغي أن تُثني عليه أي قراءة موضوعية: إن مشروعًا يصوغه جاريد كوشنر وستيف ويتكوف ورون ديرمر، ويتبناه دونالد ترامب ويصادق عليه «أصدقاؤه»، لا يمكن أن ينطوي على أي خير أو مصلحة للفلسطينيين، ولا يمكن إلا أن يخدم توطيد الهيمنة الصهيونية-الأميركية على ما وراء «خط الدفاع الأخير» بعد إسقاطه –لا سمح الله.
جاريد كوشنر، الصهيوني المعلَن ذاتيًا، يرى إلى القضية الفلسطينية بوصفها ملفاً يمكن «إعادة هيكلته» تجارياً. وهو لا يتعامل مع الفلسطينيين كأمة ذات حقوق، بل كمعادلة وظيفية يجب صياغتها على مقاس «أمن إسرائيل». وستيف ويتكوف، رجل الأعمال والمبعوث الأميركي الخاص، ينطلق من الخلفية ذاتها التي تربط فلسطين بمشاريع «تنمية» مرتبطة عضويًا بالهيمنة السياسية. وكانت مشاركة رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية للكيان وأحد مهندسي سياسته الوحشية في العقد الأخير، ضمانة إضافية لأن يخدم جوهر المقترح أمن كيانه وألا يكون للعدالة أي حضور في غرفة المداولات. ثم يتبنى كل ذلك دونالد ترامب، الذي منح الكيان غطاءً كاملاً خلال الإبادة في غزة وزوده بكل ما يلزم من الأدوات، ولم يكف عن إعلان ازدرائه للفلسطينيين وتسفيه أحلامهم.
وسوف أقتبس ثانية مراقبًا غربيًا، لأنّ ثمة إخلاصًا شائعًا عندنا لفكرة «الإفرنجي برنجي»، حتى لو كنا نحن أصحاب التجربة الذين نعيشها بعقولنا وحواسنا ونتماهى معها. أو، لأنه يفترض أن يكون الخارجيون أكثر حيادية وموضوعية مقارنة بمنظوراتنا «العاطفية»!
يكتب الأستاذ الأميركي والمحلل البارز، جيفري دي. ساكس وسيبيل فارس في مقال مشترك (ودي ساكس، بالمناسبة، يدعو إلى نزع سلاح الفصائل الفلسطينية): «تطرح إدارة ترامب هذا الأسبوع مشروع قرار صاغه الإسرائيليون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يهدف إلى القضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية. ويفعل القرار ثلاثة أمور: يرسّخ السيطرة السياسية الأميركية على غزة؛ ويفصل غزة عن باقي فلسطين؛ ويسمح للولايات المتحدة، - وبالتالي لإسرائيل- بتحديد الجدول الزمني لانسحاب إسرائيل المفترض من غزة -وهو ما يعني ببساطة: ألا تنسحب أبدًا. هذه إمبريالية تتخفى في هيئة عملية سلام».
ويضيف: «ولتحقيق هدفها بإقامة ’إسرائيل الكبرى‘، تتبع الولايات المتحدة استراتيجية كلاسيكية قائمة على مبدأ فرّق تسد، من خلال الضغط على الدول العربية والإسلامية بالتهديدات والإغراءات. وعندما تقاوم دول أخرى المطالب الأميركية الإسرائيلية، فإنها تُحرَم من التقنيات الحيوية، ومن الوصول إلى تمويل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتتعرّض للقصف الإسرائيلي، حتى البلدان التي توجد فيها قواعد أميركية. ولا تقدّم الولايات المتحدة أي حماية حقيقية؛ بل تدير ’نظام حماية‘ بالمعنى المافيَوي، فتستخلص التنازلات من الدول أينما وجد النفوذ الأميركي. وسيستمر هذا الابتزاز إلى أن يقف المجتمع الدولي في وجه هذه الأساليب ويُصرّ على سيادة فلسطينية حقيقية، وعلى التزام الولايات المتحدة وإسرائيل بالقانون الدولي».
ويكتب أيضًا: «ما تزال فلسطين هي الضحية الأبدية للمناورات الأميركية والإسرائيلية. والنتائج ليست مدمرة لفلسطين وحدها، التي تعرضت لإبادة جماعية صريحة، بل للعالم العربي وما بعده. كانت إسرائيل والولايات المتحدة في حالة حرب دائمة -مُعلنة أو سرية- عبر القرن الإفريقي (ليبيا، السودان، الصومال)، وشرق البحر المتوسط (لبنان، سورية)، ومنطقة الخليج (اليمن)، وغرب آسيا (العراق، إيران)».
من المفارقات –وما أكثر المفارقات في القصة الفلسطينية، أن تعترض روسيا والصين على إقرار خطة ترامب في مجلس الأمن، ثم تضطرا إلى السماح بمرورها حتى لا تتحملا كلفة سياسية أمام العرب و»الفلسطينيين الرسميين» والمسلمين بتعطيل قرار سُوِّقَ على أنه «إنساني» و»مرتبط بوقف إطلاق النار»! وكان سبب اعتراضهما –بالإضافة إلى عدم وجود مصلحة لهما في هيمنة الغرب على الشرق الأوسط- هو أن القرار جاء مصوغًا بالكامل –بنصه وروحة- وفق رؤية الشريكين، أميركا والكيان، وأنه يشرعن وجودًا عسكريًا أميركيًا استعماريًا جديدًا في الإقليم، ويعيد إنتاج منطق «صفقة القرن» تحت غطاء أممي من دون معالجة أسباب الصراع أو ضمان توازن حقيقي في العملية السياسية –من بين أسباب أخرى.
في المقابل، ردّ مكتب بنيامين نتنياهو على تمرير القرار بالإشادة، ووصفه بأنه سيؤدي إلى «السلام والازدهار» بفضل «نزع السلاح الكامل من غزة» و»القضاء على التطرف». وإذا رضي نتنياهو ومكتبه عن شيء، فالمنطقي هو ألا يعجب الفلسطينيين، ولا محبي العدالة والسلام الحقيقيَّن في العالم. وللحديث صلة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية