العبادي يكتب: عندما يقود جلالة الملك معركة جذب الاستثمار… وتتراجع المؤسسات في معركة الحفاظ عليه

{title}
أخبار الأردن -

 

بقلم د.فوزان العبادي

أظهرت التصريحات الأخيرة لرجل الأعمال زياد المناصير هشاشة البنية التنفيذية للاستثمار في الأردن، وكشفت مرة أخرى أن المشكلة ليست في القوانين ولا في الخطط ولا في الوعود، بل في غياب منظومة تحترم المستثمر وتتعامل معه كشريك لا كمتهم. فبينما يقود جلالة الملك شخصياً جولات دولية ويعمل بلا كلل لفتح أسواق جديدة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع الشركات العالمية على دخول الأردن، ما يزال بعض المسؤولين يتصرفون بعقلية قديمة، وكأنهم غير معنيين بتعظيم هذه الجهود أو حتى الحفاظ على سمعة البلاد الاستثمارية.

لقد كان من الأولى — وهو ما يقوله الشارع الاقتصادي اليوم — أن يبادر رئيس الحكومة للجلوس مع المناصير فوراً، لا أن تتحول القضية إلى سجال وتصريحات وردود أفعال. فالاستماع للمستثمرين الكبار ليس مجاملة، بل مسؤولية، لأنهم الأكثر قدرة على قراءة الواقع والأكثر حساسية لأي خلل في البيئة الاقتصادية. والرسالة التي تصل للمستثمر المحلي سريعاً تصل للمستثمر الأجنبي أضعافها، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى لجان لدراستها.

الإشكال الحقيقي أن بيئة الاستثمار تُدار أحياناً بعقلية مترددة، وبمنطق “تسكير الملفات” بدلاً من منطق “حلّ المشاكل”. مستثمر بحجم المناصير لا يخرج للإعلام إلا بعد أن تتراكم أمامه عشرات التفاصيل التي لا يجب أن تكون موجودة أساساً في دولة تسابق الزمن لفتح أبوابها أمام رؤوس الأموال. ومع ذلك، لم نلمس استجابة حكومية بحجم الحدث، ولم تظهر صورة دولة تسعى فعلاً إلى طمأنة كل مستثمر بأن الأردن بيئة آمنة وواضحة ومستقرة.

والتناقض المؤلم أن جلالة الملك، في كل جولة خارجية، يحمل ملف الاستثمار بنفسه؛ يلتقي ويخاطب ويفاوض ويفتح الأبواب بيده، ثم يعود ليواجه واقعاً داخلياً لا يواكب هذه الجهود. أي رسالة نرسلها للعالم حين نطالب المستثمر الأجنبي بالدخول، بينما المستثمر المحلي يشعر أحياناً أنه يواجه معركة مع البيروقراطية قبل أن يخوض معركته في السوق؟

القضية ليست تصريحات المناصير بذاتها، بل ما كشفته من مزاج إداري لا يزال يعرقل الاستثمار، ومن دوائر تتعامل مع المستثمر بأدوات تعود لعقود مضت. والجرأة الحقيقية ليست في الرد على التصريحات، بل في الاعتراف بأننا بحاجة إلى إعادة هيكلة عميقة لطريقة تعامل المؤسسات مع الاستثمار، وأن حماية المستثمر ليست شعاراً بل ممارسة يومية، تبدأ من أعلى المستويات ولا تنتهي عند أصغر موظف في الميدان.

إن بناء الثقة لا يتم بالتصريحات، بل بالاستجابة السريعة، وبالقدرة على تحويل النقد إلى إصلاح، وبإرسال رسالة واضحة بأن الأردن — بقيادة جلالة الملك — يريد الاستثمار، ويستحق بيئة مؤسسية تليق بهذه الرؤية، وتمنح المستثمرين المحليين والأجانب معاً سبباً حقيقياً للبقاء والتوسع.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية