تحذير من حرب مؤجَّلة... لكنها قادمة
قال الباحث في مركز الإمارات للسياسات، الدكتور محمد الزغول إن محاولات التهدئة وخفض التصعيد بين إيران وإسرائيل رغم جدّيتها الشكلية في بعض المحطات، لا تزال عاجزة عن تضييق الهوّة الاستراتيجية والسياسية بين الطرفين إلى حدّ يمنع عودة المواجهة العسكرية.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن هذا العجز ينبع من تراكُم معطيات عميقة - عسكرية وسياسية ورمزية - تجعل من المشهد الإقليمي أكثر هشاشة وتعقيدًا، بحيث أن فرضية الانزلاق تبقى قائمة وليس من السهل استبعادها.
وبيّن الزغول أن انعكاسات استمرار التصعيد تتخطّى البُعدين الإيراني والإسرائيلي لتنسحب على كامل المنطقة، مشيرًا إلى أن التبعات الأمنية تتحوّل سريعًا إلى أعباء اقتصادية واجتماعية؛ إذ تُعرقل مشاريع التنمية والاستثمار، وتبدِّد إمكانية التخطيط الطويل الأمد في دول مثل دول الخليج التي تراكمت لديها مشروعات بنيوية طموحة تتطلب استقرارًا سياسياً وأمنياً لا متاح في ظل مناخ لا حرب ولا سلام.
وذكر أن المشهد الراهن يشي بـثلاثة أبعاد مترابطة، أولًا، بُعد تكتيكي تفاوضي تُستخدم فيه إشارات التصعيد والخفض كأدوات لرفع سقف المطالب؛ ثانيًا، بُعد تقني عسكري يشمل تراكم ذخائر دقيقة وتطوير قدرات صاروخية ودفاعية؛ ثالثًا، بُعد إقليمي يفضي إلى استغلال وكلاء ونُظم ردع لا نووية لخلق ساحات ضغط موازية.
ولفت الزغول إلى أن الوساطات التقليدية - حتى حين تقودها قوى كبرى - قد تظلّ قاصرة ما لم تتحوّل من نقل رسائل إلى تقديم مبادرات قابلة للتنفيذ، مبرزًا أن الدور الروسي اليوم يبدو في بعض المحطات أكثر فاعلية في دفع عملية الاحتواء إلى ما بعد تبادل الرسائل، عبر فتح قنوات متعدّدة ومقترحات عملية لخارطة طريق مرحلية.
وأضاف أن نجاح أي وساطة سيتوقف بدرجة كبيرة على قدرة الوسطاء على الجمع بين مقترحات أمنية ملموسة وضمانات اقتصادية تخفّف حدة المخاطر على الاقتصادات الإقليمية.
ونبه الزغول إلى أن استمرار حالة التوتر يضرب مناخ الاستثمار ويولّد تكاليف مباشرة وغير مباشرة - منها تراجع السياحة، اضطراب سلاسل الإمداد، وارتفاع كلف التأمين والتمويل للمشروعات العابرة للحدود - ما يجعل ثمن لا حرب ولا سلام أعلى بكثير من ثمن تسوية مرحلية، وبناءً عليه، فإن الضغوط الاقتصادية الإقليمية يمكن أن تتحوّل إلى دافع عملي لدعم جهود الوساطة، لا سيما من قِبل الدول التي ترى في الاستقرار شرطًا لنجاح مشاريعها التنموية.
وعن السيناريوات المحتملة، بيّن الزغول أن هناك مسارين، الأول يقوم على تثبيت قواعد اشتباك تقيّد التعامل المباشر وتحدّ من الاحتمالات الانفجارية عبر آليات لتفادي الحوادث، والثاني يهدف إلى تسويات سياسية جزئية تُبنى على حزم من الضمانات المتبادلة، وأن المسار الأول ضروري قصير الأجل لمنع الانزلاق، فيما المسار الثاني يُعدّ مدخلًا لاستعادة ثقة متبادلة تدريجية.
وفي تقديره، لا يمكن للجهود الإقليمية والدولية أن تكتفي بالإجراءات الشكلية؛ إذ يجب أن تتضمن حزمةٍ من الإجراءات المتكاملة، آليات توثيق وقف التصعيد، منصات رقابية مشتركة، حزم تحفيز اقتصادي لدول الجوار، فضلًا عن مبادرات تقنية للتقليل من مخاطر الضربات السيبرانية والبحرية التي قد تسرّع الأمور.
وحذّر الزغول من أن المنطقة تقف اليوم أمام مفترق؛ إما تحويل محاولات التهدئة المؤقتة إلى إطار تفاوضي قادر على إدارة النزاع تدريجيًا وإلا فإن فرص تكرار صدمات عسكرية كبرى تبقى قائمة.
ودعا إلى تضافر الجهود الدبلوماسية، والاقتصادية، والاستراتيجية قبل فوات الأوان، لأن ثمن التلكؤ قد يمتد إلى منظومات المنطقة الاقتصادية والاجتماعية لسنوات.

