رانيا البكليزي تكتب: الغائبات عن الشاشة..

{title}
أخبار الأردن -

 رانيا البكليزي

افتح شاشة التلفاز، أو مرر أصبعك على منصات التواصل الاجتماعي، سوف تجد صورة نمطية لِظهور المرأه الإعلامي مُجردة مِن واقِعِها؛ فأنما فتاة واقعة في قِصة حب درامية، أو امرأة حريصة على شراء مُنتجات جديدة لِمواكبة الموضة، أو دور المثالية في التأنق والجمال الثابت الذي لا يشيخ..

تُطالعنا صورة نمطية ثابتة للمرأة، إما أداة تسويق، أو بطلة مسلسلات عاطفية، أو ضحية تحتاج إلى إنقاذ.

لكنك لو نظرت خارج هذه الشاشات، سَتجد واقعاً أخر، عالم لم يتلون باللون الوردي الممتلىء بالحياة و الرفاهية؛ عالم غائب عن أعين الإعلام والعدالة، عالم يُعاني مِن العنف الأسري تحت بند " الحماية و التربية" و التحرش في أماكن العمل و الشارع، إلى جانب التمييز في فُرص التعليم و الوظائف.

تجارب قاسية غالباً مايُخفى عنها الضوء الإعلامي؛ قيوداً ثقافية و اجتماعية و سلوكية تجعل مسار حياتهم محفوفة بالتحديات و تفرض عليها ان تقتمس أدوار محددة بدلاً مِن أن يُسمح لها بحق الإختيار الحُر، و الضغط النفسي المستمر للوفاء بأدوار المجتمع التقليدية.

و الإعلام الذي من المفترض أن يكون أداة لتوعية الجمهور بالحقيقة، يغفل هذه الحقيقة أو يضعها في زاوية نادره و غير مؤثرة، لإعتياد المشهد بأن المرأة قالب مثالي، ولا يُمثل النساء اللاتي يكافحن بصمت.

غياب هذا الصوت يعني استمرارية الظلم و تصوير صورة مُزيفة عن الواقع و الاقتناع التام بأن نصفه الآخر يمارس حياة طبيعية..

الواقع المرير مُختلف، حياة مليئة بالإحباط واليأس والقلق والخوف من المستقبل، و الإجبار على القبول بما تفرضه القيم و العادات؛ الإعلام الذي يُفضل صرف النظر عن واقع النساء يصبح شريكاً في الظلم، بدلاً مِن أن يكون أداة تغيير و توعية.

غياب الإعلام عن كشف الحقيقة يجعل معاناة النساء غير مرئية، و كأن نصف المجتمع يعيش بحالة مراقبة و صمت مطبق، في حينما تُعرض صور مثالية أو نماذج استثنائية، بينما الواقع اليومي مُتضارب.

و في ظل الحروب و الصراعات، تتصاعد هذه الشدة بشكل مأساوي، نساء الحرب يتصبحن و يتمسين بفقدان أولادهن و أزواجهن، تُدمر منازلهن، و يُجبرن على التكييف مع ظروفً مميتة، عليهن أن يتحملن المسؤولية وحدهن، بينما يواجهن صدمات نفسية و جسدية مستمرة. حياتهم اليومية تصبح صراع للبقاء بين الخوف و نقص الاحتياجات الأساسية، معاناة المرأة في الحرب تمتد إلى فقدان الحُرمة و الكرامة للنساء، لتصبح قصصهن نموذجاً صارخًا لما يحدث عندما يُترك نصف المجتمع في الظل.

حين نسمع أصوات النساء كما هي، حين يعرّض الواقع دون تزويق، و حين يتوقف الإعلام عن تصوير المشهد كرمز جميل  و أنثوي فقط، يمكن للمجتمع ذاته بإعترافه للمعاناة، و دعم الحقوق دون الهجوم عليها، و بناء حياة اكثر واقعية و عدلاً، حتى ذلك الحين، ستظل نصف الأنسانية غير مرئية، مقهورة؛ و تراقب بصمت..  

كُتب هذا المقال لكل نساء غزة الشريفات؛ اللواتي يحملن صمود الحياة على أكتافهن، يواجهن القهر بصمت و شجاعة لا توصف.

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية