البراري يكتب: ماذا كان سيفعل يوسف العظمة لو عاد من ميسلون إلى غزة؟

{title}
أخبار الأردن -

 

حسن البراري

بصراحة ومن دون لت وعجن، لو قبل يوسف العظمة شروط فرنسا آنذاك، لدخلت قوات الانتداب دمشق دون مقاومة، ولانتهى حكم فيصل الأول بلا كرامة. وبالمثل، لو سلّمت حماس بكل شروط إسرائيل وأذعنت لها بالكامل، لدخل نتنياهو غزة كما يشاء، وهذا ما يقوله ويؤكده بالفعل والتجربة. فهدفه يتجاوز الرهائن وهو لا يلقي بالا لهم.

كان يوسف العظمة وزير الحربية في حكومة فيصل الأول ورمزًا للكرامة الوطنية، وكيف لا يكون كذلك وهو الذي رفض الاستسلام. ولو افترضنا وجوده اليوم في غزة أو في أي ساحة مماثلة، فمن المرجح وفقًا لشخصيته ومبادئه أنه سيختار المقاومة بدلًا من الاستسلام وسيرفض أن تُفرض السيطرة على البلاد والعباد دون أن يسجل التاريخ أن الشعب دافع ببسالة مهما كانت النتيجة.

كان العظمة سيتقدم الصفوف بنفسه، مقدمًا بذلك نموذجًا في التضحية، ويخاضة في اللحظات التي تبلغ فيها الأخطار ذروتها كما كان الحال في سوريا. وكان ايضا سيدرك اختلال موازين القوى لكنه لم يكن ليقع في أوهام النصر السهل، بل كان سيؤكّد على البعد الرمزي للتضحية باعتبارها السبيل لمنح الأجيال القادمة الأمل والثقة بإمكانية تحقيق النصر التاريخي. فالدفاع عنده يتجاوز الحسابات العسكرية البحتة، وعليه ما كان ليستمع إلى أي محلّل عسكري أو سياسي يثنيه عن موقفه أو يبيعه الأوهام. والأهم من ذلك، أن يوسف العظمة كان سيكون عامل توحيد لا مصدر فرقة، داعيًا بقوة إلى تجاوز الخلافات الداخلية وعدم تغذيتها، ليعيد مشهد ميسلون في المقاومة والتضحية، حتى وإن لم تكن النتائج العسكرية مضمونة.

وبالمناسبة، كما رفضت فرنسا استقلال سوريا في ذلك الزمن، يرفض نتنياهو اليوم قيام دولة فلسطينية تضم الضفة والقطاع، بل يسعى لاحتلال غزة كاملة واستكمال مشروع ضم الضفة الغربية. وهذا هو مربط الفرس. هذا المشروع الصهيوني سيطال الجميع ولا يمكن لجمه إلا بتحقق الانتصار التاريخي عليه.

هذا المنطق لا يفهمه منظرو التبعية والتطبيع؛ فهم لا يعرفون (وربما يعرفون ويتجاهلون) أن الهرولة باتجاه تل أبيب لم تجلب سلامًا ولا أمنًا، بل منحت مصداقية لمقولات اليمين الإسرائيلي القائل إن بإمكان إسرائيل أن تأكل الكعكة وتحتفظ بها في الوقت نفسه، كما يقول المثل الانجليزي، أي أن تتوسع وتكرس الاحتلال، وفي الوقت ذاته تحصل على التطبيع الكامل مع الوضع القائم، وهو وضع يتغير على نحو متسارع لصالحها.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية