على حافة المستحيل: سلام إيراني ـ إسرائيلي علني عبر بوابة بوتين وترامب
د.نبيل العتوم
في لحظة فارقة من اشتداد المواجهة الإقليمية، تسربت معلومات عن اتصال هاتفي غير معلن أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المرشد الإيراني علي خامنئي، حاملاً رسالة مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مفادها أن واشنطن لا تريد مجرد تفاوض نووي جديد، بل اتفاقية سلام شاملة مع إيران تمتد إلى حد إنهاء حالة العداء مع إسرائيل. هذه الفكرة التي تبدو أقرب إلى المستحيل ظاهريا ، تكشف في العمق حجم الرهانات الأميركية على استخدام الحوافز الاقتصادية والسياسية لتفكيك جدار الأيديولوجيا الذي بنته طهران طوال أربعة عقود تحت شعار العداء المطلق للدولة العبرية.
طرح ترامب، بحسب التسريب، صيغة مرنة تتراوح بين وقف الأعمال العدائية دون اعتراف رسمي بإسرائيل، أو السير على نهج تركيا التي تجمع بين الاعتراف الدبلوماسي والخطاب السياسي الناقد. لم يكتفِ الرئيس الأميركي بالشق السياسي، بل أغرى الإيرانيين بوعود اقتصادية كبرى، من رفع العقوبات وفتح الأسواق وصولاً إلى دمج طهران في اتفاقيات الإبراهيمي وتحويلها إلى قوة اقتصادية إقليمية كبرى. في المقابل، حاول بوتين أن يقدم نفسه ضامناً لأي تفاهم محتمل، مراهناً على موقع روسيا كحليف لإيران وشريك لإسرائيل، ما يمنح موسكو ورقة نفوذ إضافية في توازنات الشرق الأوسط.
غير أنّ موقف خامنئي جاء حذراً ورافضاً في الوقت ذاته. فهو لا يعترض على مبدأ التسوية مع واشنطن إذا توافرت ضمانات حقيقية، لكنه ربط أي اتفاق مع إسرائيل بحل القضية الفلسطينية وفق ما يرضي الشعب الفلسطيني وينسجم مع القوانين الدولية، في إشارة إلى أنّ أي سلام منفصل مع تل أبيب يعدّ انتحاراً سياسياً للثورة الإيرانية وفقداناً لشرعية "محور المقاومة". كما أصر المرشد على رفع العقوبات قبل التزامات طهران، وعلى ضمانات أميركية صارمة تحول دون تكرار تجربة الاتفاق النووي الذي انهار بخروج واشنطن منه، مؤكداً لبوتين أنّه لا يثق بالوعود الأميركية ولا بشخص ترامب المتقلب.
هذا التباين يعكس معضلة كبرى: الولايات المتحدة ترى أن إيران يمكن أن تكون شريكاً استراتيجياً ضد خصوم مشتركين إذا تخلت عن استنزاف نفسها في المواجهة مع إسرائيل، بينما ترى طهران أنّ أي تنازل عن القضية الفلسطينية يعني انهيار مشروعها الأيديولوجي وفقدانها موقعها القيادي في الإقليم. وبين الرغبة الأميركية الجامحة في إعادة صياغة النظام الإقليمي عبر "كأس السلام" التي دعا ترامب خامنئي لتجرّعها، والتمسك الإيراني بذاكرة "كأس السم" التي أنهت حربها مع العراق، يبقى الواقع ماثلاً: انعدام الثقة المتبادل، وحضور الحسابات الداخلية في طهران، وتمسك إسرائيل بمطلب تحجيم نفوذ إيران الإقليمي.
ما يلوح في الأفق إذن ليس اتفاق سلام شامل، بل مساحة اختبارية من الرسائل غير المباشرة والتسريبات الإعلامية التي تهدف إلى استكشاف ردود الأفعال وتهيئة الأرضية لاحتمال تهدئة محدودة أو تفاوض غير مباشر برعاية روسية. فالسلام الإيراني الإسرائيلي على العلن ، وإن جرى التلويح به، يبقى أقرب إلى غير الممكن في الظروف الراهنة، لكنه يكشف حجم التحولات التي تدفع حتى أكثر الملفات حساسية إلى التداول خلف الأبواب المغلقة، في وقت يقف الشرق الأوسط كله على حافة انفجار أو إعادة تشكيل كبرى.

