حدّاد يكتب: من مُعسكر التدريب إلى فضاءات الريادة.
عيسى يوسف حدّاد
قرار إعادة تفعيل خدمة العلم في الأردن تمثل نقلة نوعية في مسيرة بناء الإنسان، حيث تتحول هذه الخدمة من مجرًّد واجب وطني تقليدي إلى مشروع تنموي مُتكامل يُلامس احتياجات الشباب على مختلف الأصعدة. فهي ليست فقط فرصة لتعزيز قيم الانتماء والانضباط، بل أيضًا منصة استثنائية لبناء الشخصية وصقل المهارات؛ إذ إن خدمة العلم أشبه بمدرسة للانضباط وتعلّم التعامل مع السلاح، فضلاً عن اكتساب المهارات الحياتية والعمل الجماعي. كما تمثل منصةً لتمكين الشباب من مواكبة متطلبات العصر.
ولتحقيق أقصى استفادة من برنامج خدمة العلم، يجب أن يتجاوز الإطار التقليدي ليُشكل منصة معرفية مُتكاملة تعزِّز الفكر النقدي والوعي المجتمعي. ويمكن تحقيق ذلك من خلال أندية القراءة والحوار الفكري التي تناقش كتبًا مختارة في الفلسفة والعلوم الإنسانية والتنمية المجتمعية، مما يُعمِّق الفهم النقدي ويوسع الآفاق الفكرية. كما يُمكن تعزيز الوعي عبر ندوات وورش عمل تستضيف خبراء في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لبناء ثقافة الحوار البناء. ولا تقتصر الفائدة على الجانب النظري، بل تمتد إلى الزيارات الميدانية للمؤسسات الوطنية والمراكز البحثية، مما يُتيح للشباب فهم آليات العمل الحكومي والتنموي عن قرب.
وفي ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، يُصبح تطوير المهارات الرقمية والمهنية ضرورة حتمية لضمان تنافسية الشباب الأردني. لذا، يجب أن يركز البرنامج على التدريب المتخصص في المهارات الرقمية، كالبرمجة وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، إلى جانب تعزيز مهارات الاتصال الفعال وإتقان اللغات. كما أن ورش القيادة وإدارة المشاريع تهدف إلى صقل المهارات الإدارية وروح المبادرة، مما يُهيئ الشباب لقيادة التغيير في مجالاتهم. ولا نغفل أهمية المسارات الإبداعية والفنية التي تكتشف مواهب الشباب وتوجهها نحو مجالات الابتكار، مثل التصميم الرقمي والفنون الإعلامية.
لا تقتصر فوائد برنامج خدمة العلم المتطور على الجانب الفردي فحسب، بل تمتد لتشبع كافة مستويات المجتمع. فعلى الصعيد الوطني، يسهم البرنامج في تعزيز الأمن الفكري وبناء جيل واعٍ قادر على مواجهة التحديات المستقبلية، مما يعزز مكانة الأردن كدولة رائدة في الاستثمار برأس المال البشري. وعلى الصعيد المجتمعي، يتم ترسيخ قيم التطوع والمسؤولية الاجتماعية، مما يعزز التماسك المجتمعي وروح العمل الجماعي. أما على الصعيد الفردي، فيكتسب الشباب مهارات عملية وشخصية تزيد من فرصهم في التوظيف وريادة الأعمال، مما يعزز استقلاليتهم وقدرتهم على الإنجاز. وعلى الصعيد الاقتصادي، يُسهم إعداد كوادر بشرية مؤهلة في دفع عجلة التنمية المستدامة، ويساعد على بناء اقتصاد معرفي قائم على الابتكار.
إن تطوير برنامج خدمة العلم ليكون شاملاً ومتكاملاً ليس خيارًا، بل ضرورة استراتيجية في عالم يتسم بالتغيرات المتسارعة. فالشباب هم عماد المستقبل، والاستثمار فيهم يعني الاستثمار في مستقبل الأردن. إن هذه الرؤية الطموحة تستحق أن تتحول إلى واقع ملموس، لأن إعداد جيل قادر على مواكبة تحديات القرن الحادي والعشرين يبدأ اليوم، من خلال تمكين الشباب معرفيًا ومهاريًا ووطنيًا.
بهذه الرؤية، لن تكون خدمة العلم مجرد مرحلة عابرة في حياة الشباب، بل محطة تحولية تصنع قادة المستقبل، وتضع الأردن على مسار التميز والريادة.

