غنيمات يكتب: نتنياهو... وقاحة غير مفاجئة

{title}
أخبار الأردن -

 طلال غنيمات

لا يمكن النظر إلى التصريح الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي جدّد فيه تبنّيه لما يُعرف في الأدبيات الصهيونية بـ"رؤية إسرائيل الكبرى"، على أنه مجرد انفعال سياسي أو خروج عابر على نصوص الدبلوماسية، ذلك أنه تجسيد صارخ لخطاب استراتيجي ممتد، يستند إلى روايات تاريخية مصطنعة، جرى تفصيلها بما يخدم مشروع الهيمنة على الجغرافيا والهوية في المشرق العربي.

إن استدعاء نتنياهو لمقولات "المهمة التاريخية والروحية" ليس سوى محاولة لإضفاء قداسة زائفة على مشروع سياسي يتناقض جوهريًا مع منظومة القانون الدولي، ويتعارض مع حقائق التاريخ الموثّقة، كما يمثّل استفزازًا مباشرًا لدول ذات سيادة، وفي مقدمتها المملكة الأردنية الهاشمية، التي ورد اسمها – بكل صفاقة – ضمن الخرائط الذهنية التي يروّج لها الاحتلال منذ ما بعد حرب حزيران/يونيو 1967.

الأردن، الذي شكّل على امتداد تاريخه الحديث ركيزة استقرار إقليمي وفاعلًا أساسيًا في الدفاع عن الحقوق العربية، لم يكن يومًا طرفًا ضعيفًا أو قابلًا للمساومة على أرضه وحدوده، فالأخيرة المرسّمة بالدم والتضحيات ليست موضوعًا للنقاش، وسيادته على كل ذرة تراب من أرضه ثابتة رسوخ الجبال، تحميها إرادة سياسية صلبة بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، ويدعمها جيش عربي محترف يختزن في ذاكرته العسكرية محطات مواجهة حاسمة مع العدو، بدءًا من معركة الكرامة التي كسرت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وصولًا إلى المواقف السياسية الصلبة في المحافل الدولية.

إن إقحام الأردن ضمن ما يُسمّى بـ"إسرائيل الكبرى" يعد امتدادًا لمشروع استعماري يسعى إلى تفكيك منظومة الأمن الإقليمي عبر بث الشكوك وتغذية النزعات التوسعية، ولا يمكن قراءة خطاب نتنياهو إلا باعتباره حلقة في سلسلة محاولات استغلال الدين والتاريخ كأدوات تبرير للهيمنة.

إن الأردن، وهو يواجه هذه التصريحات، عليه أن يتعامل معها بوصفها إشارة تنبيه إلى عمق التهديدات الفكرية والسياسية التي يختزنها المشروع الصهيوني في نسخته المعاصرة، ما يفرض تعزيز الجبهة الداخلية وتكثيف الجهد الدبلوماسي، بالتوازي مع ترسيخ الحضور الأردني الفاعل في الدفاع عن القضية الفلسطينية، باعتبارها البوابة المركزية لحماية الأمن الوطني الأردني.

وفي المحصلة، فإن ما يروّج له نتنياهو تحت مسمى "المهمة التاريخية" و"إسرائيل الكبرى" لا يعدو كونه استدعاءً لأحلام إمبراطورية متهافتة، تصطدم بصلابة الموقف الأردني، وبتاريخ طويل من الدفاع عن الأرض والهوية والسيادة، وهي معركة لن تُحسم على طاولة الخرائط المزوّرة، وإنما على أرض الواقع الذي يقرّ بحقائق التاريخ ويعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية