الرواشدة يكتب: ‏مبادرة " التوافق الوطني " وهذه عناوينها

{title}
أخبار الأردن -

 

‏حسين الرواشدة

‏أسوأ ما يمكن أن تفرزه الأزمات الكبرى اختلاق الثنائيات، وتأجيج الصراعات ، وتعميق الاختلافات داخل المجتمع ؛ التاريخ مزدحم بالشواهد ،وفي ذاكرتنا الأردنية القريبة ما يؤكد ذلك ، لا يوجد أمة إلا ومرت بفتنة أو محنة ،،وما أكثر الفتن التي مرت بها أمتنا ، وحدهم العقلاء من بأيديهم حبلُ إنقاذ مجتمعاتهم ، وواجبهم ، باعتبارهم يمثلون الضمير العام ، أن يتحركوا ويسارعوا لاستدراك أي خطأ، او مواجهة أي خطر ، قبل أن يقع.

‏أرجو أن لا يسألني القارئ الكريم عن مناسبة ما ذكرته سلفاً، يكفي أن يدقق في مشهدين، الأول: داخل بلدنا ، حيث كشفتنا الحرب على غزة ، اخرجت منا أفضل ما لدينا ، وأسوأ ما لدينا أيضاً، تجاهل بعضنا الأفضل ، وشككوا فيه، ثم استدعوا الاسوأ ونفخوا فيه، وهنا للأسف افترقنا، كان يجب أن نتوحد على خطاب واحد، وموقف واحد ، نحتشد كلنا حول الدولة وقراراتها ومؤسساتها ،لكن ربما أخطأنا وضيعنا الفرصة ، الآن ، لا بد ، أن نتوافق ونتجاوز كل ما اختلفنا عليه.

‏المشهد الآخر ما يحدث في الإقليم من حولنا ، لقد فشلت إسرائيل ، حتى الان ، بإخضاع المنطقة وفرض قبضتها عليها من خلال القوة العسكرية ، وكان لابد من العبث بالثنائيات الديمغرافية داخل المجتمعات ، حدث ذلك في سوريا ولبنان وفي فلسطين أيضاً، والحبل مازال على الجرار ؛ زعزعة المجتمع -أي مجتمع- يبدأ من العزف على أوتار المظلومات والمحاصصات والأقليات ، الدين يصبح أداة صراع ، والعرق ورقة سياسية للمساومة، والتاريخ والهوية منجم ثمين لاستخراج الثارات وتوزيع حصص الكراهية ، هنا لابد أن ينتبه الأردنيون ، الحذر واجب ، وأخذ الحيطة قضية وطنية، ثم يصبح الحزم بالقانون واجباً على الدولة لدرء أي مفسدة.

‏السؤال : كيف نحمي بلدنا ونحافظ على وحدة جبهتنا الداخلية ونحصنها من أي اختراق ؟ سبق أن أشرت ،منذ نحو عامين، إلى عنوانين أساسيين يشكلان ضرورة وطنية، الأول : عقلنة الخطاب العام ، والآخر الاستدارة نحو الداخل وترتيب البيت الأردني ، يمكن أن أضيف عناوين أخرى يفترض أن يتوافق عليها الأردنيون ، خذ ،مثلاً، احترام الاختلاف حول أي قضية خارج حدودنا مهما كانت ، بعيداً عن تبادل الاتهامات والتشكيك ، ورفض الاختلاف على خيارات الدولة الأردنية ومصالحها العليا تحت أي ذريعة ، خذ ، أيضاً، التوافق على الهوية الوطنية الأردنية كإطار يجمع الأردنيين ويصهر هوياتهم الفرعية، ثم الاعتزاز بها وبما تفرزه من رمزيات ، وعدم تجاوزها نحو أي مسميات أو مظلات أخرى.

‏يمكن ، أيضاً، إضافة عناوين أخرى عديدة ، ترسيم حدود النقد السياسي في هذه المرحلة ، تأجيل الاختلافات حول أداء الإدارات العامة أو جدولتها ، تصويب البوصلة نحو الأعداء الحقيقيين الذين يشكلون تهديداً لبلدنا ، سواء على حدودنا الشرقية أو الشمالية أو غيرها، كل هذا يجب أن يتم في سياق إطلاق مبادرة" التوافق الوطني" (كما حصل مثلا العام 1991 /الميثاق الوطني )على قاعدة الحوار والمشاركة والعدالة ، وتعزيز الاستقرار والوحدة الوطنية ، ونبذ دعوات الفرقة ، وترسيم حدود العلاقة الأردنية الفلسطينية في المرحلة القادمة على أساس اللاءات الملكية الثلاثة .

من يطلق المبادرة ، ومن يتولى إدارة النقاش العام؟ وحدهم العقلاء من يستطيع أن يفعل ذلك ، ويقدم ما يلزم من إجابات وازنة ومتوازنة تكفل تحصين جبهتنا الداخلية، لكن أين هم هؤلاء العقلاء؟ اكيد موجودون ، ونريد أن نسمع صوتهم.

 

 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية