حداد يكتب: التعديل الحكومي المرتقب بين التصحيح والترشيق
عيسى يوسف حدّاد
عند تشكيل الحكومة الحالية، سادَ جوّ من التفاؤل في الشارع العام، خاصةً مع تقديمها كحكومة تكنوقراط ضمّت نخبة من أصحاب الخبرة والاختصاص. وقد رآها كثيرون بارقة أمل لمسار جديد يُركّز على الكفاءة والاحتراف في إدارة شؤون الدولة، وهو ما تجلّى في الزيارات الميدانية التي قادها رئيس الوزراء وعدد من الوزراء الفاعلين.
ومع إعلان اليوم عن تعديل وزاري يوم غدٍ الأربعاء، تبرُز الحاجة إلى وقفة مراجعة جادة تتجاوز مجرّد تبديل الأسماء، نحو إصلاح حقيقي في بنية الحكومة ومنهجية عملها. وإذا كان الهدف هو التطوير، فإن مدخله الأصيل يكمن في ترشيق الجهاز الحكومي. فالمقصود بالترشيق ليس تقليص عدد الوزارات لمجرد التقليص، بل مراجعة دقيقة لمدى حاجة الدولة لهذا العدد الكبير من الوزارات، لا سيما في ظل تداخل المهام وتشابه الأدوار.
الدمج المدروس للحقائب الوزارية يمكن أن يسهم في تعزيز الكفاءة، وتحسين الأداء، وترشيد الإنفاق، شريطة أن يتم وفق خطط واضحة ومتكاملة. ومن المقترحات العملية في هذا السياق:
الإبقاء على دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، مع ضرورة استكمال مشروع تطوير المناهج على نحو يضمن بناء جيل متكامل من مقاعد المدرسة حتى التخرج من الجامعة، ضمن رؤية تعليمية وطنية موحّدة وشاملة.
دمج وزارتي الزراعة والمياه نظراً للترابط الحيوي بين القطاعين، رغم أن هذه الخطوة طُبِّقت سابقًا ولم تستمر، إلا أن إعادة النظر فيها وفق أسس تنظيمية جديدة قد تحقق نتائج أكثر استدامة.
دمج وزارتي الإدارة المحلية والنقل لتوحيد التخطيط الخدمي والبنية التحتية على مستوى المحافظات.
دمج وزارتي الشباب والثقافة لتعزيز دور المؤسستين في تنمية الإنسان وتطوير مهاراته وبناء قدراته.
دمج وزارتي تطوير القطاع العام والاقتصاد الرقمي لدفع التحول الرقمي وتحسين الأداء المؤسسي.
دمج وزارتي الاستثمار والعمل لربط خطط الاستثمار باحتياجات سوق العمل.
كما أن هناك وزارات أو مناصب لا ضرورة فعلية لها، مثل "وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء" أو "وزير دولة" بلا حقيبة واضحة المعالم.
لكن نجاح أي تعديل حكومي يظل مرهونًا بوجود إرادة سياسية حقيقية تُترجم إلى قرارات حاسمة، مدعومة بتعديلات تشريعية من البرلمان، ومواكبة بضغط شعبي واعٍ من خلال منصات الحوار والتواصل المجتمعي.
وتبقى المقاومة البيروقراطية من أبرز العقبات أمام جهود الترشيق، ما يستدعي استخدام أدوات مؤسسية مثل تشكيل لجان انتقالية لإدارة عمليات الدمج تدريجيًا، وتخفيف أثر الصدامات الإدارية المحتملة.
تجارب التعديلات الوزارية السابقة أظهرت أن كثيرًا منها تم لأسباب سياسية أو توافقية، دون معالجة جذرية للمشكلات البنيوية في الجهاز الحكومي، وعلى رأسها:
تداخل الصلاحيات والاختصاصات، وما يسببه من ازدواجية وتعطيل للعمل.
هدر الموارد نتيجة استمرار وزارات متشابهة في المهام والمسؤوليات.
ضعف التنسيق والتكامل، مما يُعيق تنفيذ المشاريع الوطنية الكبرى، مثل التحول الرقمي وتنمية المحافظات.
فالحكومة ليست غاية بحد ذاتها، بل أداة لخدمة المواطن وتحقيق التنمية المستدامة. ومع كون الوزير مسؤولًا عن رسم السياسات العامة، لا مبرر لزيادة الحقائب الوزارية على حساب الفعالية والنتائج.
وإذا كانت هناك نية لإجراء تعديل وزاري يعكس إرادة إصلاحية حقيقية، فلنجعل منه فرصة لإعادة هيكلة الحكومة، وتعزيز التكامل بين قطاعاتها، وبناء فريق يعمل بروح واحد. لا مجرد تجميع أسماء ومناصب.
بهذا النهج وحده، يُمكننا الوصول إلى حكومة رشيقة وفعالة، تُخفّف الأعباء عن الدولة والمواطن معًا.

