الكساسبة يكتب: الاقتصاد الأزرق: هل يشكّل نقطة تحول حقيقية للعقبة والاقتصاد الأردني؟
د. حمد الكساسبة
أطلقت نقابة المهندسين الأردنيين مبادرة الاقتصاد الأزرق بهدف استثمار الموارد البحرية لمدينة العقبة وتحويلها إلى مركز إقليمي للتنمية. وتشمل الخطة تطوير الموانئ الذكية وتحلية المياه بالطاقة المتجددة وتعزيز السياحة البيئية وحماية البيئة البحرية، لرفع مساهمة الأنشطة البحرية في اقتصاد العقبة إلى 15٪ بحلول عام 2033. وتُعد هذه المبادرة جهدًا مهنيًا مهمًا من نقابة المهندسين لدعم التنمية المستدامة في العقبة. لكن هل يمكن أن تغيّر هذه المبادرة موقع العقبة في الاقتصاد الوطني وتحوّلها إلى مركز اقتصادي وبحري رائد؟
لا شك أن المبادرة تحمل بعدًا تنمويًا كبيرًا، إذ يمكن أن تقترب مساهمة العقبة في الناتج المحلي الوطني من 10٪ خلال عقد إذا نُفذت بكفاءة، ما يعني إضافة مليارات الدولارات وتحسين التصنيف الائتماني عبر توسيع القاعدة الضريبية وزيادة الإيرادات. كما يمكن أن تخلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة في الموانئ والخدمات اللوجستية والسياحة والطاقة المتجددة. ومن شأن تعزيز القدرات البحرية والتصديرية أن يقلص عجز الميزان التجاري عبر رفع الصادرات وتقليل استيراد المياه والطاقة، ما يدعم الاستقرار النقدي والمالي.
والعقبة بأمسّ الحاجة إلى هذا التحول، إذ لم تتجاوز مساهمتها في الناتج المحلي 3٪ خلال العقدين الماضيين، وفقًا للبنك الدولي. وهذا يعكس محدودية التكامل بين المنطقة الاقتصادية الخاصة وباقي الاقتصاد الوطني وضعف الحوكمة، ما يجعل المبادرة فرصة حقيقية لإعادة صياغة نموذج العقبة وربطه مباشرة بالرؤية الوطنية للتنمية.
التجارب الدولية تثبت أن التحول ممكن. فقد نجحت المغرب في تحويل ميناء طنجة المتوسط إلى الأكبر في إفريقيا بفضل التكامل بين الموانئ والصناعة (البنك الدولي 2022)، وأصبحت سنغافورة مركزًا عالميًا للاقتصاد الأزرق عبر الابتكار والحوكمة الذكية، فيما استخدمت جزر سيشل السندات الزرقاء لتمويل مشاريع الاستدامة البحرية دون زيادة المديونية (صندوق النقد الدولي 2021).
وما ينبغي الإشارة إليه أن تعزيز المبادرة يتطلب – إلى جانب ما تضمنته في تفاصيلها – إنشاء مجلس أعلى للاقتصاد الأزرق يضم الحكومة والقطاع الخاص والجامعات، وتأسيس معهد وطني مع مسرّعات أعمال لدعم الشركات الناشئة في التكنولوجيا البحرية، إضافة إلى استخدام أدوات تمويل حديثة لجذب رؤوس أموال دولية. كما أن دمج التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في إدارة الموانئ والخدمات اللوجستية يمكن أن يرفع تنافسية العقبة ويخفض التكاليف التشغيلية.
وتأتي هذه المبادرة في إطار الاهتمام الملكي بالاقتصاد الأزرق، حيث أكد جلالة الملك في مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات (نيس، يونيو 2025) أن العقبة يمكن أن تكون مختبرًا عالميًا لاستعادة الشعاب المرجانية، مشيرًا إلى مبادرات مثل «المشاريع الزرقاء للعقبة» و«المركز العالمي لإحياء المحيطات». وهذا يعكس بُعدًا وطنيًا ودوليًا للمبادرة، ما يعزز فرص نجاحها إذا ما دُمجت ضمن خطة تنمية شاملة.
ومن منظور الأمن القومي، يشكّل الاقتصاد الأزرق عنصرًا أساسيًا في تعزيز الأمن المائي والطاقي والغذائي. وإذا نُفذت المبادرة ضمن إصلاح هيكلي وبمؤشرات أداء واضحة، فقد تتحول العقبة خلال عقد إلى مركز اقتصادي وبحري إقليمي يضاعف مساهمتها في الناتج الوطني ويحقق فائضًا في الميزان التجاري. أما إذا استمرت التحديات الهيكلية دون معالجة، فإن مساهمتها ستبقى محدودة رغم المشاريع الجديدة.
ختامًا، تمثل مبادرة الاقتصاد الأزرق رؤية وطنية تستحق الدعم، غير أن نجاحها يتطلب دمجها في استراتيجية شاملة لإصلاح نموذج المنطقة الاقتصادية الخاصة، مع حوكمة قوية وابتكار تقني وتمويل مستدام وربط فعّال بالعقبة وبقية الاقتصاد الوطني. وإذا تحققت هذه الشروط، فقد تتحول العقبة من مساهمة متواضعة إلى قوة اقتصادية رئيسية تعزز مكانة الأردن وتفتح آفاقًا جديدة للنمو المستدام بحلول عام 2033.

