حرب الظل: كيف تخطط إسرائيل لإشعال إيران من الداخل؟

{title}
أخبار الأردن -

د.نبيل العتوم 

في ظل التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران، لم تعد الحرب تقتصر على الضربات الجوية أو العمليات الاستخباراتية، بل أخذت بعدًا جديدًا يتسلل عبر الجغرافيا العرقية لإيران نفسها. فالجمهورية الإسلامية الايرانية التي طالما تباهت بوحدة صفها الداخلي، تخفي خلف ستارها الرسمي خارطة متفجرة من التنوع العرقي والقومي، من العرب في خوزستان، إلى الأكراد غربًا، والبلوش جنوبًا، وصولًا إلى الأذريين في الشمال. إسرائيل، التي لطالما خاضت حروبًا في العلن والخفاء، ترى في هذا التنوع الهش ثغرة استراتيجية يمكن استغلالها لتحريك الداخل الإيراني ضد نفسه، ضمن ما يمكن تسميته بـ"حرب داخل الحرب".

تعتمد هذه المقاربة على تفكيك النسيج الإيراني من الداخل، لا عبر الجيوش، بل بتحريك الأقليات التي تشعر بالتهميش والإقصاء السياسي والثقافي والاقتصادي. فالأكراد الإيرانيون مثلًا، ممثلون بجماعات مسلّحة كـPJAK وKDPI، يحتفظون بقواعد خلفية في كردستان العراق، وينفذون عمليات ضد الحرس الثوري الإيراني منذ سنوات، رغم تراجع فاعليتهم في الآونة الأخيرة بسبب القمع وتراجع الدعم الإقليمي. البلوش في الجنوب الشرقي ينشطون من خلال تنظيمات مثل "جيش العدل" و"أنصار الفرقان"، ويشنّون عمليات مسلحة بدوافع دينية وقومية، انطلاقًا من مناطق وعرة قرب الحدود الباكستانية. أما عرب الأحواز، فتمثّلهم "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"، وتسعى لاستقلال الأحواز الغنية بالنفط عن إيران.

معظم هذه التنظيمات تعاني من نقاط ضعف مزمنة، أبرزها الانقسامات الداخلية، غياب الحاضنة الشعبية الواسعة، الاختراقات الاستخباراتية الإيرانية، وصعوبة التموضع الجغرافي. إلا أن إسرائيل، التي تدرك محدودية هذه الحركات، لا تراهن عليها لإسقاط النظام، بل لاستنزافه وتفتيته من الداخل، وربما لحرفه عن أي مواجهة إقليمية مباشرة. فدعم عمليات محدودة أو إشعال احتجاجات متزامنة في أكثر من إقليم عرقي قد يربك القيادة الإيرانية ويفرض عليها توزيع قوتها الأمنية، ويضعف قدرتها على الرد في الخارج.

السيناريوهات المطروحة متعددة. أولها الاضطراب المحدود الذي يخلق بيئة قلق أمني دائم داخل إيران. ثانيها الانتفاضات المتزامنة التي تدفع النظام إلى الاستنزاف على جبهات متعددة. وثالثها التمرد المسلح الذي قد ينفجر إذا ما تم ربطه بضربات إسرائيلية أو أميركية توجه للنظام في لحظة ضعف. لكن أخطر السيناريوهات يتمثل في الحرب الهجينة، حيث تتقاطع الضربات الخارجية مع تمرد داخلي إثني، ليظهر النظام الإيراني كجسد هشّ يتآكله الانفجار من الداخل والخارج معًا. في المقابل، لا يمكن استبعاد سيناريو مضاد، يتمثل في فشل هذه التحركات، بما يؤدي إلى رد فعل قومي متشدد يعزز من قبضة الحرس الثوري ويبرر حملة قمع شاملة تطال حتى من لم ينخرطوا في العصيان.

رغم أن الولايات المتحدة والدول الغربية لا تعلن صراحة دعمها لأي سيناريو يسعى لتفكيك إيران عبر ورقة الأقليات، إلا أن موقفها الفعلي يتسم بازدواجية محسوبة: فهي من جهة تخشى أن يؤدي تفجير البنية العرقية لإيران إلى فوضى إقليمية غير قابلة للاحتواء، تُنتج بيئات خصبة لتنظيمات متطرفة كـ"داعش" و"القاعدة"، وتُربك طرق الطاقة الدولية. ومن جهة أخرى، ترى في تصدّع الداخل الإيراني فرصة استراتيجية لإضعاف النظام دون التورط المباشر في حرب مفتوحة. لذا تميل واشنطن وعواصم أوروبية إلى تشجيع "الاحتجاجات المحكومة" ودعم المنظمات الحقوقية والإعلامية التي تفضح التمييز العرقي، دون أن تذهب إلى حد تمويل وتسليح جماعات انفصالية، ما لم يتم ربط ذلك بخيار عسكري أوسع ضد النظام. الغرب يدرك أن لعبة الأقليات في إيران سيف ذو حدين: يمكن أن تُضعف النظام، لكنّها قد تُسقط الدولة.

إسرائيل لا تعلن هذا المسار، لكنها تلمّح إليه وتخطط له كمسار موازٍ للحرب النظامية، وربما أكثر تأثيرًا على المدى البعيد. إنه مشروع تفكيك الدولة من الداخل، حيث لا يُقصف العدو من الجو فقط، بل يتم إغراقه في مستنقع من الفوضى العرقية والاقتتال الداخلي. إنها حرب لا تدار بالجيوش، بل بالهويات والاعراق المنسية، والتي تصبح فجأة ذخيرة في صراع لن يرحم في حال تفجيره .

 

 


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية