عدو يتحدث لهجتك ويغني أغانيك ويردد أمثالك الشعبية.. خطة إسرائيلية لاختراق مجتمعاتنا
في محاولةٍ لتوسيع نفوذها داخل المجتمعات العربية، تعمل إسرائيل على إعداد جيل جديد من عناصر الاستخبارات والجنود المتقنين للعربية بلهجاتها المتنوعة، في مسعى يتجاوز البندقية والدبابة إلى محاولة التأثير في الوعي الجمعي وكسر الحواجز النفسية.
فمشهد «إسرائيلي يتحدث لهجتك، يغني أغانيك، ويردد أمثالك الشعبية» بات يتكرر في مقاطع الفيديو التي يروّج لها إعلام الاحتلال، ضمن خطة مدروسة تستهدف تقديم «وجهٍ مقبول» لمجرم الحرب عبر خطاب عاطفي وثقافي مموّه.
ما بعد 7 أكتوبر: مراجعة أدوات الفشل
بعد فشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في التنبؤ بعملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شرعت تل أبيب في إعادة تقييم أدواتها وأساليب جمع المعلومات. وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت (8 يوليو/تموز) عن تكثيف الجهود لتدريب كوادر بشرية متخصصة في اللغات واللهجات المحلية لتعزيز القدرات الاستخبارية بعد الإخفاقات التي تكشفت خلال الحرب.
وأقرّت الأجهزة الأمنية، وفق الصحيفة، بضرورة العودة إلى «الأدوات التقليدية» كاللغة وتفعيل الجواسيس على الأرض، بالتوازي مع تطوير أدوات المراقبة التكنولوجية لشبكات التواصل والاتصالات.
«مدارس اللهجات»… أذن تسمع النبرة وعين تفكك السلوك
أطلقت شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» برامج تدريبية مكثفة تستهدف خريجي الثانوية حديثاً، لاختيارهم وفق احتياجات أمنية محددة لتعلّم لغات ولهجات بعينها خلال دورات تمتد لنحو 6 أشهر. ويشير ضابط برتبة مقدم، رمزت له الصحيفة بالحرف (ح)، إلى أن حرب غزة أثبتت أنه «لا غنى عن الأذن التي تلتقط النبرة، والعين التي تفسر التعابير والسلوكيات»، مؤكداً أن هذا التوجه سيتم توسيعه لسنوات قادمة.
مدارس اللغات، التي تعود إلى بدايات تأسيس «أمان»، تشهد اليوم توسعاً غير مسبوق لتلبية متطلبات «الجبهات المشتعلة»، حيث يتعلم مئات المجندين سنوياً لهجات سورية ولبنانية وفلسطينية وعراقية وبدوية، وأضيفت اللهجة اليمنية قبل 18 شهراً، في ضوء الحاجة إلى فهم جبهة الإسناد الجديدة المرتبطة بالحوثيين.
ولا يقتصر التدريب على الجانب اللغوي، بل يشمل مواداً نصية وصوتية من واقع العمل الميداني، إضافة إلى محتوى من شبكات التواصل والأغاني والأمثال الشعبية، لضمان إتقان «النبرة» والبعد الثقافي والاجتماعي للمجتمعات المستهدفة.
اختراق ثقافي وأمني… يتجاوز الترجمة
تؤكد يديعوت أحرونوت أن الهدف ليس تكوين «مترجمين»، بل صناعة عناصر استخبارات تجمع بين اللغة والتحليل الثقافي والسياسي وفهم المنظومات القيمية المحلية. ويشدّد الضابط (ح) على أن رجل الاستخبارات «يجب أن يدرس النظريات، والثقافة، والقيم التي تشكل رؤية الناس للعالم».
وتشير تقارير إسرائيلية إلى نقص واضح سابقاً في المتخصصين بالبيئة اليمنية تحديداً، وهو ما دفع إلى تجنيد إسرائيليين من أصول يمنية يجيدون العربية واللهجة اليمنية للمساعدة في جمع المعلومات عن الحوثيين، وفق صحيفة معاريف. كما تحدثت إذاعة جيش الاحتلال وموقع The Defant Post (16 يوليو/تموز) عن توجه لتعميم دورات الثقافة الإسلامية واللغة العربية على جميع عناصر الاستخبارات، بحيث يتلقى نصفهم تدريباً بالعربية بحلول العام المقبل.
«سلاح خفي»: الحرب على الهوية قبل الأرض
يرى الخبير النفسي عبد الرحمن مزهر أن هذا الانخراط اللغوي والثقافي يشكل «سلاحاً ناعماً» أخطر من السلاح التقليدي، لأنه يتسلل إلى العقول عبر بوابة الألفة والهوية. فاللهجة ليست أداة تواصل فحسب، بل هي تعبير عن الانتماء والذاكرة الجماعية، وعندما يتحدث «الآخر» بلهجتك، تنخفض تلقائياً الحواجز النفسية، ويصبح تمرير الرسائل السياسية والثقافية أسهل وأقل إثارة للمقاومة الواعية.
ويحذر مزهر من أن هذه العمليات النفسية تؤسس لـ«تطبيع عاطفي» يهيئ لتشويش الهوية وإعادة تشكيل الصور الذهنية، عبر ممارسات تبدو «طبيعية» مثل ارتداء اللباس العربي التقليدي، أو تسويق الأطعمة العربية ضمن «المطبخ الإسرائيلي».
توظيف الشخصيات العامة والمنصات العربية
منذ سنوات، أسست الخارجية الإسرائيلية صفحات ناطقة بالعربية لكبار المسؤولين، إضافة إلى صفحات سفارات في دول عربية مثل مصر والأردن، لتكريس تواصل مباشر مع الجمهور العربي.
كما تعتمد إسرائيل على متحدثين باسم جيش الاحتلال بالعربية، أبرزهم أفيخاي أدرعي، الذي يحرص على نشر رسائل دينية وعاطفية (مثل «جمعة مباركة» وتهنئة المسلمين بالأعياد) لخلق جسور نفسية وثقافية مع المتابعين، رغم ما تواجهه منشوراته من سخرية واعتراضات واسعة.
«استعمار ناعم»… المقاومة تبدأ من الوعي
يصف أنس إبراهيم، المنسق العام لتنسيقية مقاومة الصهيونية والتطبيع، المشروع الإسرائيلي بإنتاج جيل من المتحدثين بالعربية بلهجات متعددة بأنه ليس شأناً «تواصلياً بريئاً»، بل جزء من خطة عميقة تستهدف بنية الوعي العربي، لتهيئة الأجيال القادمة لتقبّل الكيان الصهيوني كجزء طبيعي من نسيج المنطقة.
ويحذر إبراهيم من «استعمار ناعم» يفتك بالعقول والقلوب قبل الأرض، مؤكداً أن المواجهة تبدأ بتعزيز المناعة الثقافية والنفسية، وحماية الهوية، وفضح تقنيات الاختراق الناعم، لأن ما لا يُرفض اليوم بوضوح سيُعتاد عليه غداً بصمت.

