طُعم أميركي لتفكيك قضية اللاجئين وضرب الأردن في العمق
د.نبيل العتوم
وسط العاصفة التي تضرب المشرق، تعود قضية اللاجئين الفلسطينيين لتتصدر الأجندة، لا من باب الإنصاف أو العودة، بل من بوابة التصفيات الكبرى. الحديث المتنامي عن تجنيس الفلسطينيين في سوريا لا يمكن فصله عن مشروع أميركي إقليمي يعيد رسم خريطة اللجوء الفلسطيني على أساس إغلاق ملفات الشتات، وترتيب المنطقة بما يتواءم مع "سلام الضرورة" ومصالح إسرائيل.
ما يُشاع اليوم حول نية دمشق الجديدة ـ ما بعد النظام السابق ـ منح الجنسية لنحو 700 ألف فلسطيني على أراضيها، قد يبدو مجرد خبر عابر أو إشاعة غير موثقة، لكنه يعكس اتجاهات ضغط عميقة تعمل في الخفاء. فالإدارة الأميركية بقيادة ترامب في ولايته الثانية لا تُخفي مساعيها لفرض تسوية شاملة تعيد هندسة القضية الفلسطينية من الداخل، عبر إلغاء مركزية حق العودة وتحويل الشتات إلى قضايا إدارية محلية تُحل بالتجنيس والتوطين، مع بعض الوعود الغامضة بالدعم المالي.
لكن تجنيس الفلسطينيين في سوريا، إن حصل، سيكون أكثر من مجرد مسألة إنسانية أو تسوية قانونية لوضع اللاجئين. إنه نزع اعتراف سياسي بتاريخ النكبة من إحدى ساحات المقاومة الأساسية، وتحويل اللاجئ الفلسطيني من شاهد على الجريمة إلى مقيم عادي تم إسقاط قضيته. هذا الإجراء ـ سواء تحقق على شكل صفقة أو فرض بضغوط دولية ـ ستكون له ارتدادات خطيرة على كل ساحات اللجوء، وخاصة الأردن، حيث أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني يحملون أوزار المواطنة المؤقتة أو المقيدة.
حين يتم سحب البعد القومي والسياسي من المخيمات الفلسطينية في سوريا، وتتحول إلى مجاميع أفراد يحملون الجنسية السورية، سيكون السؤال البديهي في الغرب: ولماذا لا يُطبَّق الأمر نفسه في الأردن؟ وإذا كانت دمشق ـ التي تحمل تاريخ المواجهة والممانعة ـ قد قبلت بتجنيس اللاجئين، فلماذا يُلام الأردن إن سلك المسار نفسه لاحقًا؟
التداعيات على الأردن ستكون هائلة. فتجنيس الفلسطينيين في سوريا، إذا قُدِّم كجزء من حل نهائي لقضية اللاجئين، سيفتح الباب للمطالبة بتصفية المخيمات في الأردن، وسحب صفة "اللاجئ" عن سكانها، واعتبارهم مواطنين أردنيين بالكامل، دون أي رابط قانوني أو معنوي بفلسطين. وهذا يعني إسقاط حق العودة عمليًا عن الغالبية الكبرى من لاجئي الأردن، وتحويلهم إلى معادل ديمغرافي في دولة تواجه أصلًا أزمات حادة.
وهنا تصبح الخطورة مزدوجة: فمن جهة، تُنتزع القضية الفلسطينية من بعدها العربي وتُعاد هندستها بقرارات توطين مفروضة، ومن جهة أخرى، يُدفع الأردن إلى الواجهة باعتباره "الحل الواقعي" لمشكلة اللاجئين. ومع اشتداد الضغوط الإقليمية وتراجع الدعم العربي، وازدياد التداخل الأمني والاقتصادي بين عمان وتل أبيب، قد يجد الأردن نفسه في مهب مشروع تصفية كبرى تطال بنيته وسكانه وهويته.
الخطاب الذي يُروّج لفكرة أن التجنيس "حق إنساني" أو "تسوية منطقية لوضع اللاجئين" هو نفسه الخطاب الذي يُراد له أن يهيئ الرأي العام العربي والفلسطيني لابتلاع التنازلات. لكن من عاش اللجوء يعلم أن التجنيس ليس حلاً، بل إلغاء للحق، وتمهيد لطيّ الصفحة التي دفع شعب بأكمله دمه وكرامته ثمناً لبقائها مفتوحة.
ما يحدث اليوم، من همسات في دمشق وشائعات متعمدة في وسائل الإعلام، ليس مجرد صخب فارغ، بل جزء من اختبار ناعم لردّ فعل المنطقة على أخطر ما يُعد: حل نهائي بلا عودة، وخرائط جديدة بلا لاجئين، ومستقبل فلسطيني بلا فلسطين.
إن خط الدفاع الحقيقي عن اللاجئين لم يعد فقط في غزة أو رام الله أو دمشق، بل في عمان أيضًا. وعلى الأردن أن يقرأ التحولات جيدًا، فالمخيمات الفلسطينية في سوريا قد تُغلق بجواز سفر سوري، ولكنّ انعكاساتها ستضرب الداخل الأردني بأمواج لا تُحتمل، سياسيًا وديمغرافيًا ووطنيًا.

