خيرالله يكتب : حاجة أحمد الشرع إلى معرفة الدروز…
خيرالله خيرالله
الدروز إسرائيليون في إسرائيل وسوريون في سوريا ولبنانيون في لبنان وأردنيون في الأردن، ولا يزيد عددهم على مليون ونصف مليون لكنّ الرابطة التي تجمع بينهم هي رابطة التمسّك بأرضهم حيثما كانوا.
يبدو موضوع محافظة السويداء السورية، ذات الأكثرية الدرزية، في غاية التعقيد والبساطة في الوقت ذاته. إنّه موضوع معقّد في ضوء الوضع السوري نفسه وفي ضوء التداخلات والتجاذبات والتدخلات الإقليمية، خصوصا التدخل الإسرائيلي في منطقة ذات أهمّية إستراتيجية كبيرة للدولة العبريّة.
إنّه، أيضا، موضوع في غاية البساطة في حال كان مطلوبا فهم أهمّية الوجود الدرزي في إسرائيل نفسها، وهي أهمّية تزداد يوميا في ضوء السماح، تاريخيّا، للدروز الإسرائيليين بالخدمة في الجيش الإسرائيلي بصفة كونهم مواطنين في الدولة العبريّة. الدروز إسرائيليون في إسرائيل وسوريون في سوريا ولبنانيون في لبنان وأردنيون في الأردن.ولا يزيد عددهم على مليون ونصف مليون في مختلف أنحاء العالم، لكنّ الرابطة التي تجمع بينهم هي رابطة التمسّك بأرضهم حيثما كانوا. من هذا المنطلق، يمكن فهم بقائهم في الجولان على الرغم من الاحتلال الإسرائيلي للهضبة في العام 1967. يبدو هاجس التمسّك بالأرض هاجسا درزيا بامتياز، كذلك هاجس التضامن في ما بينهم بغض النظر عن الأرض الموجودين فيها. ألم يدعم دروز إسرائيل دروز الشوف في جبل لبنان لدى تعرّضهم لمحنة في أثناء الاجتياح العسكري الإسرائيلي للبنان في العام 1982 وما تلاه من محاولات لاقتلاعهم من أرضهم؟
ليس سرّا، في الوقت الحاضر، أنّ الجيش الإسرائيلي الذي يقاتل على غير جبهة، في حاجة ماسّة إلى العسكري الدرزي أكثر من أيّ وقت. يرفع ذلك من قدرة ضغط دروز إسرائيل على حكومة بنيامين نتنياهو في وقت يوجد يهود متدينون (الحريديم) يرفضون الخدمة في الجيش الإسرائيلي!
الأهمّ من ذلك كلّه وجود تضامن درزي إسرائيلي مع دروز سوريا الذين عمدوا في كلّ وقت إلى الدفاع عن وجودهم على أرضهم والمحافظة في الوقت ذاته على علاقات متوازنة مع كلّ مكونات الشعب السوري. يؤكّد ذلك رفض أكثرية الدروز السوريين القتال إلى جانب القوات الموالية للنظام العلوي منذ اندلاع الثورة الشعبية في وجه بشّار الأسد في آذار – مارس من العام 2011. رفض الدروز، بشكل عام الخدمة في الجيش السوري خارج مناطقهم. في الواقع، كان ذلك رفضا للدخول في مواجهات مع الأكثريّة السنّية التي وقفت في معظمها في وجه النظام العلوي.
شهدت السويداء منذ العام 2011 صراعا مستمرا مع النظام السوري، كذلك مع الميليشيات التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني التي سعت إلى تحويل جنوب سوريا مجموعة من القواعد العسكرية تتحكّم بها إيران. في سياق هذا الصراع، تعرّض الدروز لكلّ أنواع الضغوط. شمل ذلك تنسيقا بين النظام العلوي والإيرانيين و”داعش” بهدف إيذاء كلّ مقيم في مدينة السويداء والمنطقة المحيطة بها. خطفت نساء درزيات في مرحلة معيّنة. كان الهدف الدائم إخضاع الدروز وإجبارهم على المشاركة في حرب لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد. كانت حربا باسم حلف الأقلّيات الذين سعى حافظ الأسد وابنه بشّار إلى الاستعانة به لحكم سوريا “إلى الأبد”… كما كانا يحلمان.
إذا كان من درس يمكن استخلاصه من أحداث السويداء، فإنّ هذه الدرس يتمثل أوّلا في أن العلاقة التي أقامها الرئيس الانتقالي أحمد الشرع مع الولايات المتحدة، بما في ذلك اللقاء الذي عقده مع الرئيس دونالد ترامب تعني الكثير… كما لا تعني شيئا. لا تعني هذه العلاقة، التي أدت إلى رفع العقوبات عن سوريا، ضوءا أخضر يسمح بقمع الأقليات وفرض “هيئة تحرير الشام” رأيها على السنّة الآخرين. في النهاية، إنّ سوريا بلد تميّز دائما بوجود أكثريّة سنّية معتدلة، خصوصا في المدن الكبرى، تؤمن الأكثريّة السنّية بالعيش المشترك بين مختلف مكونات المجتمع السوري. يشمل ذلك المسيحيين والدروز على وجه التحديد في حين صار للعلويين وضع خاص بعدما احتكر حافظ الأسد السلطة ابتداء من خريف العام 1970.
يفترض في أحمد الشرع، وهو ابن درعا التي لا تبعد كثيرا عن السويداء، أن يعرف أكثر عن الدروز وعن دورهم في قيام سوريا الموحدة. يُفترض به أيضا معرفة ما هي إسرائيل وموقع الدروز داخل المؤسسة العسكريّة الإسرائيليّة. إضافة إلى ذلك، كان متوقعا من أحمد الشرع أن يكون على علم بالجهود العربيّة التي تستهدف مساعدة سوريا. توّجت هذه الجهود باللقاء الذي انعقد بينه وبين الرئيس الأميركي في الرياض، وليس في أيّ مكان آخر، بحضور وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان…
المؤسف أنّ أحداث السويداء لا تبشر بإمكان إقامة دولة سوريّة حديثة تعوّض عن التصحّر الذي ميّز عهد عائلة آل الأسد بين 1970 وآخر 2024. ليس طبيعيا أن تغطي الدولة السوريّة ميليشيات متطرّفة تعاملت عناصرها مع دروز السويداء بطريقة أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها طريقة همجيّة ومشينة.
تبدأ مرحلة استعادة الدولة السوريّة باعتماد التواضع بدل العنجهية من جهة والسعي إلى التعرّف إلى طبيعة مكونات الشعب السوري، بمن في ذلك الدروز من جهة أخرى. لا يمكن، بأي شكل، تجاهل الدروز ووضعهم الخاص وتفادي التعرّف إلى هذا الوضع عن كثب. لا يمكن تجاهل الوجود المسيحي أيضا وهو وجود تاريخي في كلّ مدينة ومنطقة سوريّة. إنّ الدروز جزء لا يتجزّأ من الكيان السوري، كذلك المسيحيون، كذلك الأكراد والإسماعيليون. هذا ليس وقت إلغاء العلويين، كطائفة، على الرغم من كلّ ارتكابات حافظ الأسد وبشّار الأسد. إنّه وقت استعادة سوريا بدل الاعتقاد أن في الإمكان الاستعانة بأميركا وإسرائيل لإقامة نظام “هيئة تحرير الشام” ليحلّ مكان نظام آل الأسد الذي استخدم حزب البعث غطاء له… وللمجازر التي ارتكبها في حق سوريا وكلّ السوريين.

