التل يكتب : كيف تواجه الجماعة المحظورة؟!!
محمد حسن التل
تنظيم أو جماعة الإخوان المحظورة ربما لا يمكن إنهاؤها بسهولة، لأنها تعمل بشكل مرن وعنقودي، مما يمكنها في حالة المواجهة من النزول تحت الأرض، وتستمر كوادرها في ممارسة "واجباتها" التنظيمية بكل سرية وكتمان وهذا ما يحدث عادة عندما تواجه أزمة في أي دولة يكون لها تواجد فيها، وتحاول إعادة ترتيب أوراقها من جديد والصعود إلى السطح.. لذلك، مواجهة هذه الجماعة المنحلة يجب أن ترتكز إلى خطة تقوم على فكفكة التنظيم على أسس واقعية ومتوسطة المدى وفعّالة، إضافة إلى الإجراءات المباشرة.
لقد استطاعت الجماعة المحظورة في الأردن على مدار عقود عديدة أن تبني علاقة متينة مع الطبقات الشعبية، مقدمة نفسها المدافع عن حقوق هذه الطبقات، وأنها وحدها تقف إلى جانبها من خلال تقديم المساعدات لها، وإقناعهم بأن الوقوف بجانب الجماعة هو واجب ديني لا يجوز تجاوزه ، وهذا ما يتجلى في كثير من الأحيان عندما يتم النقاش مع نوعيات مختلفة في هذه المجتمعات. لذلك، ليست مسؤولية الدولة فقط خلخلة هذا المفهوم عند الناس، بل أيضًا مسؤولية واجب الذين طرحوا أنفسهم بدلاء للجماعة ، وللأسف كل التجارب التي مورست في هذا الاتجاه فشلت، حتى أولئك الذين خرجوا من الجماعة المحظورة نفسها وحاولوا إقامة كيانات سياسية مقابلة لها فشلوا منذ بداية الطريق، رغم أنهم كانوا من المفترض أن يكونوا حاملين نفس التجربة الإخوانية، ومستوعبين لها، وبالتالي يطبقونها على الواقع بإطار وطني ، وقد فشل هؤلاء للأسف بسبب المصالح الشخصية التي كانت سيدة الموقف.
ربما يخيل للبعض أن مواجهة الجماعة المحظورة صعبة أو مستحيلة، وهذه حجة لا أساس لها عندما تكون الإرادة موجودة والمصالح الشخصية خارج الحسابات ، لقد استطاعت الجماعة المحظورة السيطرة على مساحة من الشارع لأنها كانت تستغل أي ثغرة أو قرار غير مفهوم للناس، ولأن إعلامنا لا يزال عاجزًا عن إيصال رسالة الدولة للمجتمع الأردني حيث انقسم هذا الإعلام إلى ممارسة المجاملة إلى أعلى حد، حتى فقدت الرسالة معناها، بينما تمترس آخرون خلف النبرة السوداوية لكل أمر ، فوجدت الجماعة المحظورة ثغرات كثيرة نفذت منها في كثير من الأحيان للتشويش على قرارات الدولة.
وأوضح مؤشر على هذا ما حدث في بداية الحرب على غزة، حيث مع كل ما قدمه الأردن وما يزال يقدم، وتجاوز الجميع في تصديه للعدوان الإسرائيلي بكل السبل المتاحة، إلا أن الجماعة المنحلة كانت تعمل دائمًا على خدش هذا الموقف، وترفع شعارات تغمز بقناة الأردن ، والعجيب في إطار تناقض مواقف هذه الجماعة أنها تصر على التركيز على المطالبة بإلغاء اتفاقية وادي عربة، مع إدراكهم أن هذا الأمر غير ممكن.
والتناقض الذي أشرت إليه هو أنه عندما اغتصبت جماعة الإخوان المسلمين الحكم في مصر، لم تذكر أي كلمة واحدة ولا حتى جماهيرها عن اتفاقية كامب ديفيد، ولم تتطرق إلى تطبيع رئيس الوزراء الإخواني في المغرب مع إسرائيل عام 2020 ، واستمرت في إيهام الناس بأن الأردن يخفي غير ما يظهر في موقفه من القضية الفلسطينية، في محاولة منها للتأثير على الناس البسطاء، الذين تعتبرهم خزانها البشري ، وقد استفادت فعلاً من هؤلاء في الانتخابات النيابية، حيث وجدت في حرب غزة فرصة لا تعوض لاستغلال عواطف الناس لحصد أكبر عدد ممكن من مقاعد مجلس النواب ، ولم تتعامل هذه الجماعة المنحلة مع هذا الإنجاز الذي يسجل للدولة بأنها أجرت انتخابات شفافة ونزيهة، بل شعرت بالنشوة المزيفة، وحاولت الاستقواء على الدولة والمجلس، معتبرة أن هذا الإنجاز تم انتزاعه انتزاعا واعتبرت هذه المقاعد الذين هم انفسهم تفاجأوا بها لم تكن فقط بسبب استغلال حاجات الناس وحرب غزة، بل أيضًا بسبب ضعف الأحزاب التي شاركت بالانخابات و التي فاجأت الجميع بفقرها الشعبي، وعدم قدرتها على إقناع ولو نسبة قليلة من الشارع الأردني.
ربما تتحمل أيضًا المؤسسة الدينية الرسمية جزءًا من مسؤولية تسلل الإخوان إلى المجتمع الأردني بهذه المساحة، لأنها لم تستطع في كثير من الأحيان إقناع الناس بطروحاتها وإجراءاتها، وهذا ما استغلته الجماعة بدهاء وربما بخبث.
المعالجة الأمنية لهذه الجماعة المحظورة ضرورية، لأنها في كثير من الأحيان باتت تهدد الأمن الوطني ، لكن أيضًا من واجب الجميع في التيارات السياسية الأخرى، والهيئات الشعبية التي تطرح نفسها على الساحة، وبالذات الإسلاميين من خارج إطار الجماعة المحظورة ، أن يكونوا سندًا لدوائر الدولة في هذه المواجهة، وأن يعيدوا النظر في خطابهم وخططهم وبرامجهم لينتزعوا المساحة التي احتلها الإخوان في المجتمع، إذا أردنا بالفعل إنهاء تحكم الجماعة في الشارع الأردني في بعض طبقاته، واستغلالها لعواطفهم.
وجعل الخطاب الإسلامي المواجة لخطاب الجماعة المحظورة مقبولا عند الجمهور... وللحديث بقية

