العتوم: الخطر قادم إلى الأردن وهذه خياراتنا
د. نبيل العتوم
مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وانسحاب إيران من المشهد السوري، وتعرضها ووكلائها لضربات مدمّرة في لبنان واليمن، طبعًا هذا كله بانتظار إكمال المهمة مع طهران، وما تبقى من أذرعها التخريبية، بعد أن خدمت بوكلائها من خلال مشروعها الوظيفي: "الثوري"، في تدمير المنطقة، واستنزاف قدرات دول الطوق.. ولتنتهي بعد ذلك مهمتها، لتبدأ بعد ذلك مرحلة تهيئة الأرضية لمشروع "إعادة تشكيل الشرق الأوسط"، ليدخل فعلاً مرحلة التنفيذ الصريح.
مشروع تقوده إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية، وبتحالف وثيق مع حكومة بنيامين نتنياهو، حيث يقوم على تصفية بؤر التوتر القديمة لصالح ترتيبات جديدة تُقصي إيران، وتدفع بالقضية الفلسطينية نحو التهميش أو الشطب، بما قد يمهّد لضم الضفة الغربية وتفكيك حلم الدولة الفلسطينية إلى غير رجعة.
في هذا السياق، يجد الأردن نفسه مكشوفًا سياسيًا وجغرافيًا، وسط إقليم يُعاد تشكيله معه أو بدونه، وربما على حسابه. لم يعد الأردن مجرد مراقب مقلق لمآلات القضية الفلسطينية، بل تحوّل إلى طرف مهدَّد بشكل مباشر، مع احتمالات دفعه لقبول توطين اللاجئين أو تحمّل عبء الدولة الفلسطينية البديلة، وسط انهيار متزايد في حزامه العربي التقليدي (العراق، سوريا، فلسطين، لبنان)، وحصار ممنهج للعمق المصري.
ورغم ضيق الخيارات، لا يزال الأردن يمتلك هامش مناورة يمكن تفعيله إذا تم توظيفه ضمن استراتيجية وازنة. فالجغرافيا تبقى الورقة الأولى: فالأردن دولة تماس مباشرة مع الضفة الغربية، وسوريا، والعراق، وأي اهتزاز في استقراره سيمتد فورًا إلى قلب إسرائيل، ما يمنحه ورقة جيوسياسية لا يمكن تجاهلها.
أما استخباريا وعسكريًا وأمنيًا، فيمتلك الأردن شراكات عميقة مع الغرب في محاربة الإرهاب ومراقبة الحدود، وإعادة ضبط هذا التعاون – حتى لو مؤقتا – يشكّل ورقة ضغط حساسة في الحسابات الأميركية والإسرائيلية. وفي الملف الفلسطيني، يحتفظ الأردن بشرعية تاريخية في القدس والضفة، يمكنه تفعيلها أو حتى التهديد بتعليقها، ما يربك أي مشروع لتفكيك القضية أو فرض وقائع نهائية على الأرض.
اللاجئون بدورهم يشكّلون ورقة ديمغرافية بالغة الخطورة، فالأردن لا يستطيع ولا يجب أن يتحمّل وحده عبء إعادة تعريف وضع ملايين اللاجئين، ويمكنه إعادة تدويل الملف ورفض أي "صفقة توطين" تُفرض عليه بحكم الأمر الواقع.
داخليًا، يمتلك الأردن أدوات ضغط إضافية، منها النقابات، الأحزاب، العشائر، والحراك الشعبي المنظم. تحريك هذه الأدوات قد يوجّه رسالة مفادها أن "الهدوء الأردني" ليس مضمونًا إلى الأبد، وأن تجاوز الخطوط الوطنية الحمراء قد يفجّر الوضع الاجتماعي.
وعلى مستوى التوازنات الإقليمية، يمكن للأردن التلويح بخيارات انفتاح تكتيكية على المحاور غير الغربية، مثل تعزيز التنسيق مع تركيا والصين وروسيا، أو حتى فتح قنوات خلفية محدودة مع بعض الدول، دون الانزلاق إلى محاور معادية أو غير محسوبة.
وإضافة إلى ذلك، يملك الأردن ورقة طال إهمالها أو تجميدها: ورقة الثروات الطبيعية. إذ تشير دراسات ومسوح متعددة إلى وجود احتياطيات ضخمة من الغاز، الصخر الزيتي، اليورانيوم، النحاس، الذهب، الفوسفات، والسيليكا عالية النقاء، فضلًا عن إمكانيات هائلة للطاقة الشمسية والرياح، إلى جانب النفط الذي يُعتبر تداول الحديث عن وجوده ضمن المحرّمات...
لكنّ هذه الثروات تُركت في باطن الأرض لعقود، إما بسبب غياب الإرادة السياسية، أو نتيجة ضغوط خارجية - مباشرة أو غير مباشرة - تسعى لإبقاء الأردن رهينة للاعتماد الاقتصادي والمساعدات المشروطة، أو أن استثمارها مرهون بتصفية القضية الفلسطينية على حسابه.
في هذا السياق، يبدو أن بقاء الأردن ضعيفًا اقتصاديًا يخدم مصالح قوى خارجية ترى في قوة الأردن خطرًا على مشاريع إقليمية حساسة، وعلى رأسها الترتيب النهائي للقضية الفلسطينية.
لذا، فإن تفعيل ملف الثروات ليس فقط ضرورة اقتصادية، بل ورقة ضغط سيادية يجب أن تدخل ضمن الحسابات الاستراتيجية للدولة قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة.
النتيجة: أن الأردن يقف فعلاً على خطوط النار، بينما يتقدّم المشروع الإقليمي بثقة وثقل. خياراته ليست كثيرة، لكنها موجودة، ويبقى السؤال: هل يملك القرار السياسي بالاشتباك في لحظة صدام إقليمي ربما تكون الأخطر منذ نشوء الدولة؟
الوقت يضيق، والمشروع يتحرّك، والخطر لم يعد نظريا.

