ابو رمان يكتب : حقيقة الحرب الإسرائيلية الإيرانية وتغيير قواعد اللعبة السياسية
لطالما أنقسم المحللون بالعالم العربي والإسلامي بين من اعتبر إيران والغرب المهيمن/إسرائيل وجهان لعملة واحدة؛ وبين من اعتبر إيران رمزا إسلاميا فاعلا للمقاومة والصمود في مواجهة الأطماع الغربية الإسرائيلية من جهة أخرى؛ فلأي من الحزبين تنتمي؟ أما عن نفسي فأعتقد جازما أن الخلل المشترك الذي يرتكبه كل من أتباع وجهتي النظر أعلاه يتمثل بالأساس الذي ينطلقانمنهلتحديد موقفهما من السياسة الإيرانية والمتمثل [بمدى قدرة إيران على دعم القضية الفلسطينية من عدمه]- وكأنه واجب إيراني خالص!
وعليه، فمن كان يرى بالسياسة الإيرانية تجاه الغرب قليلا من المواربة والصناعة المسرحية لبعض أحداث المواجهة مع الكيان المحتل، سيرى إيران على أنها الوجه الآخر للعملة الصهيونية. ويدلل على رأيه بالمجمل بعدم تحقق أي نصر ملموس، ولو جزئي، لصالح فلسطين كنتاج لأي من مسرحيات المواجهة فيما بين الطرفين، بل أن الناتج الوحيد الملموس لما سبق يتمثل باستدامة الانقسام الفلسطيني وتأزيم السلم الإقليمي لدول الجوار! في حين يعربالحزب الآخر عن رأيه بما نشهده من دعم إيراني غير رسمي لأذرع المقاومة في لبنان والعراق واليمن وغزة لمواجهة الاحتلال- في ضوء غياب تام لأي موقف حازم موحد من الدول العربية!بل ويدلل على رأيه بما شهدناه من خسارة استراتيجية لإيران، تمثلت بما حل بحزبالله في لبنان وتقييد لميليشيات إيران بالعراق وقصفها باليمن بالإضافة الى تبادل رسمي للصواريخ فيما بينها وبين دولة الكيان المحتل في عمليات الوعد الصادق 1 و2 و3 في ابريل وتشرين أول 2024 وأخيرا حزيران 2025.
وعما سبق، يظهر وجه الخلل في عدم استناد أي منهما للقاعدة الأسمى التي تُبنى عليها العلاقات بين الدول؛ وهي قاعدة "المصلحة البحتة" بعيدا عن أي عواطف أو مقاربات جانبية!بمعنى أدق، كان على المحلل أن يبحث عن المصلحة المفترضة التي يتوجب على أي دولة تجيد اللعبة السياسية السعي لتحقيقها، لو حوصرت بمثل ظروف الجمهورية الإيرانية. وبمعادلة بسيطة ومباشرة، أرى أن إيران قد أجادت اللعبة السياسية أو على الأقل اجتهدت بنجاح بأن تحجز لنفسها مقعدا على طاولة الكبار. علمت إيران الخميني أن قيمتها السياسية لمحور قوى الشرق/روسيا والصين، تتمثل في قدرتها على توسيع نطاق نفوذها الديني والسياسي الاجتماعي بين دول الشرق الأوسط. وبالتالي، ثابرت من بعد سقوط العراق خاصة، على توسيع سطوتهابين شعوب الدول العربية والإسلامية من خلال التمدد الشيعي العقائدي تارة، وتنصيب ذاتها كرمز أوحد للمقاومة الفاعلة تارة أخرى. ومن وجهة النظر المقابلة، فقد أدرك الغرب المهيمن أن السماح لإيران بالتمتع بهذه الصفة كتهديد وجودي جيوسياسي عقائدي لدول الخليج خاصة، سيسمح له شرعاً بفرض هيمنته على المنطقة بموجب اتفاقيات الحماية والقواعد العسكرية- على ألا تتجاوز إيران الخطوط الحمراء التي تؤدي لخسارة كلا الطرفين. وبالتالي، مارست إيران ببراعة دفع حظها للحدود القصوى المسموحة طيلة العقدين الماضيين؛لا دعما لفلسطين وإنما لابتزاز الغرب/إسرائيل من خلال ميليشياتها ودعمها المتواترللمقاومة الفلسطينية؛ بينما تناور للحفاظ على مكتسباتها. إلا أن القول بذلك، يستوجب تفسير انقلابتلك المناورات الاستراتيجية السياسية الى عمليات عسكرية، فما الذي تغير؟
علينا أن نعيابتداء بأن المصلحة من الإبقاء على الدور الإيراني الموصوف أعلاه هي مصلحة غربية أمريكية بالأساس أكثر منها إسرائيلية- وإن ثابرت إسرائيل على استغلالها لاستعطاف الغرب وترسيخ زعمها بحق الدفاع عن النفس. كما ونتفق على أن إسرائيل ما كانت لتجرؤ على مناكفة الولايات المتحدة الأمريكية بافتعالها الحرب مع إيران علنا- كما فعلت عند مبادرتها بقصف السفارة الإيرانية في سوريا، ومن ثم اغتيال هنية ونصرالله في نيسان وحزيران وأيلول 2024- الأمر الذي استتبع الرد الإيراني في عمليات الوعد الصادق 1و2!فما الذي آل بإسرائيل لأن تعترف-للمرة الأولى والوحيدة منذ الثورة الإيرانية بال1979- بمسؤوليتها عن الاعتداء؟
يكمن السر والتفسير بالآثار التي استوجبتها أحداث السابع من أكتوبر على صعيد كلٍ من الشارع الإسرائيلي والشارع الغربي تباعاً.حيث أدى الفشل الأمني- إضافة الى تقويض صلاحيات المحكمة الإسرائيلية العليا بالتزامن حينها- الى تفاقم رفض الشارع الإسرائيلي لحكومة نتنياهو والمطالبة بإقالته. كما وأدى الانقلاب بالرأي العام الغربي ضد جرائم الإبادة المرتكبة في غزة، والحقائق التي عرضتها دعوى جنوب أفريقيا للعالم أجمع عن عدالة القضية الفلسطينية، الى فضح تواطئ قادة الغرب وإحراجهم أمام شعوبهم. أدركت حكومة الحزب الديمقراطي بالولايات المتحدة الأمريكية عندها، ضرورة التخلص من سياسة التأزيم التي قادها النتنياهو بشخصه وبحكومته الأكثر تطرفا. فما كان من الأخير إلا أن افتعل تلك الحروب أملا منه على إرغام الغرب على التدخل للدفاع عن الوجود الإسرائيلي ولو على حساب مصالحهم الانتخابية- وهو الأمر الذي حالت دونه السياسة الغربيةرغما عن حكومة نتنياهو- ذلكبأن سمحت لإيران بالرد بصورة هزليةتضمن الحد الأدنى من متطلبات حفظ ماء الوجه، بينما كان الرئيس الأمريكي بايدن، تحديداً، هو من سارع حينها الى إعلان انتهاء الانتقام الإيراني واستقرار الأجواء؛ محرجا حكومة النتنياهو عن الرد.
إذن، فما الذي تغير مع قدوم ترامب؟ وما هي العوامل التي منحت إسرائيل الغطرسة لتوجيه للضربة الاستباقية الإسرائيلية على المفاعلات والعلماء النوويين والقيادات العسكرية الإيرانية صباح 13 حزيران 2025- والتي آلت بإيران الى استعراض قدراتها العسكرية، في مواجهةٍ أكثر جدية هذه المرة، من خلال عملية "الوعد الصادق 3" طيلة إثني عشرة يوما من حزيران 2025! فهل تخلى الغرب فجأة عن دور "البعبع" الإيراني الذي لطالما ساهم وجوده بتبرير قواعده العسكرية وغيرها من المكاسب الاستراتيجية في الشرق الأوسط والخليج- ناهيك عن دعم خطاب المظلومية الإسرائيلية وحقها المزعوم بالدفاع عن النفس؟بل هل تخلى أصلاً عن سياسة ازدواجية المعايير التي لطالما لجأ لها لتبرير أطماعهوتجاوزاته على الشرعية الدولية أمام شعوبه وناخبيه؟ سأُوافيكم بالإجابة إن شاء الله في المقالة القادمة بعنوان "قواعد تغيير اللعبة السياسية بالشرق الأوسط والنظام العالمي الجديد،،،".
خبير القانون الدولي والمحلل السياسي
ترقبوا مقالي التالي يوم غدا

