اليماني تكتب: في غزة... القبور امتلأت

{title}
أخبار الأردن -

 

د.مريم اليماني 

في غزة، لم تعد السماء تتسع للدعاء، ولم تعد الأرض تتسع للأموات. هناك، حيث الموت يُوزَّع يوميًا بالمجان، امتلأت المقابر كما امتلأت العيون بالدمع، والقلوب بالحزن، والبيوت بالفراغ.

في غزة، لا حاجة لمن يُشيّع الجنازات، فالنعوش تسير وحدها، والأمهات يودّعن أبناءهن بصمتٍ أثقل من الصراخ، والقبور تُحفَر جماعيًا، بلا أسماء، بلا تواريخ ميلاد، فالموتى هناك يشتركون في ذات اليوم... يوم النكبة المستمرة.

القبور امتلأت، لكنّ الموت لا ينتظر إذنًا. صار الناس يبحثون عن أماكن لدفن أحبّتهم، كما يبحثون عن مكانٍ يخبئون فيه أطفالهم من شظايا القذائف، ومن صور الجثث، ومن الخوف المتوارث جيلًا بعد جيل.

أصبحت غزة مدينة تمشي على الجراح، وتتنفس من تحت الأنقاض، وتولد من رحم الدمار. هناك، يُولد الطفل في كفن، وتُولد الأم على صرخة، ويولد الوطن في عيون تُقسم ألّا تنام حتى تعود الحياة.

في غزة، حتى المقابر تُقصف، والجنائز تُستهدف، وكأن العدو لا يكتفي بقتل الحياة، بل يلاحقها حتى بعد الموت. أي ظلم هذا؟ أي جريمة تبرّر اغتيال طفلٍ في حضن أمه، أو شيخٍ يحمل مفتاح بيته المهجور منذ النكسة؟!

في غزة، القبور امتلأت، لكن الحكايات لم تنتهِ. كل قبر هناك هو سطر في ملحمة صمود، كل اسمٍ محفورٍ على شاهدة، هو راية، هو رسالة، هو بوصلة.

رغم الحصار والجوع والدمار، ما زالت غزة تُقاوم. تقاوم بفعل البقاء، بطفلٍ يتعلّم وسط الركام، بأمّ تُعيد بناء بيتها للمرة الخامسة، بشعبٍ لا يموت... وإن مات واقفًا.
القبور امتلأت،

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية