انتهى دور الدخان.. إيران تُجيد فن البقاء و3 قوى ستتقاسم المنطقة

قال المحلل السياسيّ الدكتور رامي العياصرة إن هناك تساؤلات جوهرية طرحها الصراع المتفجّر بين إيران و"إسرائيل"، وما تبعه من تدخلات أمريكية وضربات متبادلة، حول شكل النهاية التي اختارها الفاعلون الرئيسيون لهذه الجولة، والنتائج الحقيقية التي أفرزتها، لا سيما ما يتعلق بمصير غزة والقضية الفلسطينية، في ضوء مشهد إقليمي آخذ في إعادة التشكّل.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن إيران - وإن لم تحقق نصرًا عسكريًا صريحًا - خرجت بصورة اللاعب الذي يعرف كيف يدير الحرب ويضبط وتيرتها، تمامًا كما يُجيد إدارة الدبلوماسية والمفاوضات.
هذه القدرة، بحسب العياصرة، هي ما سمح لطهران بالحفاظ على حضورها كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، حتى في أكثر لحظات التصعيد حساسية.
وبيّن أن الضربات الإيرانية على الداخل الإسرائيلي كانت رسالة ذات أبعاد مختلفة منها ما هو موجه إلى جمهورها وأذرعها، تُكرّس من خلالها صورة الندّية، وتُظهر أن الردّ ممكن، وإن كان محدودًا، ومنها لاسرائيل ذاتها بأن ايران تمتلك قدرات صاروخية قادرة على إيذاء اعداءها.
وفي المقابل، فإن اللحظة التي اختارتها الولايات المتحدة - لحظة تدمير لمواقع المفاعلات النووية الإيرانية وشل القدرة على استخدامها - شكّلت الصورة التي أرادت بها واشنطن تأطير نهاية الحرب لصالحها.
ما بعد الحرب، كما يقرأه العياصرة، لا يقل أهمية عن سياقها العسكري والميداني، فالمشهد الجيوسياسي في المنطقة لم يعد كما كان، ذلك أن النفوذ لم يُحسم لإسرائيل وحدها، وإنما أعيد تقاسمه بشكل معلن أوغير معلن بين ثلاث قوى مركزية: إيران، تركيا، و"إسرائيل"، بينما الغائب الأكبر عن هذه المعادلة هو الطرف العربي و القضية الفلسطينية التي تُركت تُدار بمنطق الأمر الواقع، مضيفًا أن غزة – تحديدًا – كانت الخاسر الأكثر وضوحًا، وبينما تبادلت القوى ضربات محسوبة ورسائل استراتيجية، وجدت غزة نفسها وحيدة في وجه آلة البطش الإسرائيلي، بلا حماية سياسية أو غطاء تفاوضي قوي، في وقت باتت فيه المعادلة الإقليمية تتشكل دونها.
وحذّر العياصرة من أن عدم ربط إنهاء الحرب الإيرانية – الإسرائيلية بوقف إطلاق النار في غزة، يمثّل خسارة فادحة للفلسطينيين، وإقرارًا ضمنيًا بأن قطاع غزة خارج حسابات الحسم أو التسويات الجارية، مضيفًا أن هذه الحرب ستفتح الباب واسعًا أمام مسارات سياسية جديدة، قد تتضمن موجات تطبيع عربية مع "إسرائيل"، تتجاوز الحقوق الفلسطينية تحت ذرائع المصالح الاقتصادية، وهو ما يعني عمليًا أن القضية الفلسطينية لم تعد في قلب معادلة الاهتمام الإقليمي.
إيران، بدورها، ستعيد النظر في تحالفاتها وآليات علاقتها مع الأذرع الإقليمية، فالحرب، على الرغم من رمزيتها، كشفت عن حدود الدعم، وأعادت ترتيب الأولويات حتى داخل معسكر المقاومة ذاته، وفي نهاية المطاف، فإن ما جرى، بحسب العياصرة، ليس سوى خطوة في طريق طويل لإعادة رسم الشرق الأوسط واستمرار فصول الصراعات الساخنة أو الصامتة.