حتى نفهم كل ما حصل... وصولًا إلى لقطة الختام!

• نتنياهو افتتح حرب "منع القنبلة الإيرانية" لصناعة لقطة تاريخية
• الضربة أميركية للمفاعلات النووية الإيرانية تُنهي الحرب فعليًا
• صواريخ إيران تضرب بئر السبع والوسط في لقطة الختام الرمزية
• واشنطن أبقت على النظام الإيراني لأداء أدوار وظيفية لاحقة
• التسويات الشكلية تُنهي الحرب دون استسلام وتمنح الجميع مشهد نصر
• نهاية وحدة الساحات... وشرق أوسط جديد يتشكل بلا شعارات
قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن إعلان وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في صيف 2006 عن "الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد"، كان بمثابة تسويق مشهدٍ إعلامي أرادت له أن يُنحت في ذاكرة الجمهور بوصفه العنوان العريض للمرحلة.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن إسرائيل حينها نجحت في تدمير بنى تحتية لبنانية، لكنها فشلت في اجتثاث حزب الله، ليلتقط المرشد الإيراني علي خامنئي فكرة "الشرق الأوسط الجديد"، لكنه هذه المرة بصيغة إيرانية وبهندسة عقائدية تمتد من بغداد إلى غزة.
وبيّن البستنجي أن جوهر هذا "الشرق الأوسط الإيراني" لم يكن سوى وهم تعبوي، تعيشه طهران وتسوّقه على أنه محور مقاومة موحد، بينما تتباعد فيه الجبهات فعليًا، وتتباين الأولويات، وتتقاطع المصالح الإقليمية على حساب الشعار، ذلك أن تاريخ الحروب في المنطقة – كما تُظهر تجارب سابقة – لا يُلخّصه إلا مشهد بصري واحد، وبهذه الروح الاستعراضية افتتح نتنياهو ويمينه المتطرف حرب "منع القنبلة الإيرانية"، ليس فقط لتوجيه ضربة استباقية، وإنما لصناعة لقطة يكتب بها صفحة جديدة في خطاب الردع الإسرائيلي.
ونوّه إلى أن الحرب انطلقت على هيئة استعراض أمني لافت تمثلت في ضربات نوعية، اغتيالات موجهة، واختراقات تجسسية بالغة الدقة، في مشهد أعاد للأذهان صورة تدمير الطائرات المصرية على الأرض عام 1967، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى رقصة تانغو تعكس توافقًا ضمنيًا على قواعد الاشتباك بين اللاعبين الكبار، أكثر مما تعكس رغبة فعلية بالذهاب إلى حرب مفتوحة.
وفي تلك "الرقصة"، بدت إيران، رغم وقع الضربة، متماسكة ظاهريًا، وردّت بعنف محسوب على أهداف إسرائيلية، لتنتزع لنفسها مشهدًا يعادل الصورة الافتتاحية للحرب، بينما كانت لحظة ضرب المفاعلات النووية الإيرانية وإخراجها من الخدمة، هي اللقطة الحاسمة التي اختارها الأمريكيون لتأطير نهاية الحرب بمشهد قوة، وفقًا لما نوّه إليه، مضيفًا أن ترامب خرج من خلف الستار بصفته "الزعيم الأوحد"، فالكلمة الأخيرة ستكون له، وهو من يحدد مآلات النزاع.
المفارقة أن هذه النهاية لم تُكتب حينها في بيان رسمي، بل رُسمت بلغة الصورة والرمز، وتمّ "تخريجها" ضمن اتفاق وقف إطلاق نار مدروس، يُراعي الشكل بقدر ما يُنهي الفعل، وهو ما يُعرف في أدبيات الصراعات العسكرية بـ"التخريج النهائي" – وهو ترتيب رمزي يُمنح فيه للطرف المهزوم فرصة إنتاج صورة صمود، بينما يحتفظ الطرف المنتصر بلقطة الحسم، وفقًا لما قاله البستنجي في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأشار إلى أن الموجة الصاروخية الإيرانية جاءت على مدن الداخل الإسرائيلي - من بئر السبع إلى الوسط - لتمنح طهران صورة الختام، صورة ستُحفر في ذاكرة جمهورها باعتبارها لحظة الرد التاريخي، رغم أن الحرب الاستراتيجية كانت قد انتهت قبلها.
وذكر البستنجي أن هذا النموذج – ضربة حاسمة يتلوها رد رمزي – ليس جديدًا، فهو ممارسة شائعة في فن التفاوض المسلح، حيث يُمنح العدو مساحة رمزية لاستعادة توازنه الخطابي، تمهيدًا للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط أكثر واقعية، وفي الحالة الإيرانية، كان المطلوب من النظام أن يبقى، ليُكمل أدوارًا وظيفية لا يمكن لطرف آخر القيام بها مثل تفكيك البرنامج النووي تحت الإشراف، تسليم أسرى، وربما لعب دور الجسر بين الخليج والغرب.
وهنا تُطرح المفارقة الأشد مرارة، والمتمثلة في خروج كل الأطراف بصورة نصر ما، فإسرائيل لقّنت، وإيران ردّت، وأميركا حسمت، إلا غزة، فالأخيرة وحدها التي قدّمت التضحيات الأولى، فكانت رأس الحربة، ثم تُركت لتواجه مصيرها منفردة، دون غطاء حقيقي، ودون مشهد إعلامي يحفظ ماء وجهها، وفي اللحظة التي دخل فيها اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، لم تكن "وحدة الساحات" قد هُزمت فقط، وإنما دُفنت رسميًا، وخرجت من المعادلة بوصفها شعارًا بلا سند ميداني.
وأشار البستنجي إلى أن الحرب انتهت، لا باستسلام، وإنما بتسويات شكلية تُبقي لكل طرف لقطة للذكرى، بينما الحقيقة الاستراتيجية الوحيدة هي أنّ مفاعلات إيران توقفت، ووحدة الساحات سُحقت، وشرق أوسط جديد آخر – لا يشبه لا رايس ولا خامنئي – يتشكّل بعيدًا عن الشعارات.