أبو رمان يكتب : الرد الإيراني والخيارات الصعبة

{title}
أخبار الأردن -

 محمد أبو رمان

تشكّل الضربة الأميركية للمواقع النووية الإيرانية نقطة تحول كبيرة في الحرب الجارية، وتضع إيران، بدرجة أكبر، على أعتاب قرارات مصيرية، إن لم تكن وجودية فيما يتعلّق بالنظام السياسي، على صعيد رد الفعل العسكري على هذه الضربة.

يمكن تعريف محددين رئيسين يؤثران على تعريف الموقف الإيراني؛ الأول هو مستوى صناعة القرار وحساباته والثاني هو القدرة العسكرية لإيران في حال قررت توسيع نطاق الحرب وتوجيه ضربات للقواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، بخاصة في الخليج العربي، كما كان يتوعد المسؤولون الإيرانيون سابقاً، في حال شاركت أميركا بالضربة لإيران انطلاقاً من هذه القواعد. 

فيما يتعلّق بالمستوى العسكري، فإنّ ذلك يتطلب قراءة دقيقة لحجم الدمار في الصواريخ الإيرانية ومدى قدرة إيران على الدخول في جبهة جديدة إقليمية وتعريف الأهداف التي يمكن أن تسعى إليها من ذلك؛ بخاصة بعدما تمّ تحييد جميع أدواتها الإقليمية، لبنان وسورية وفلسطين، وحتى في العراق هنالك قيود شديدة على القوى الموالية لإيران، وجدل واسع بين النخب السياسية العراقية، بل قلق أنّ الدور القادم هو على العراق. 

على المستوى السياسي؛ فإنّ القيادات السياسية في طهران تدرك تماماً أنّ الدخول في مواجهة عسكرية واسعة مع الولايات المتحدة، في الحالة الراهنة من اختلال موازين القوى الدولية والإقليمية، هي أقرب إلى عملية انتحارية لـ»النظام»، لذلك، على الأغلب ستتجنب إيران الدخول في هذه المواجهة الإقليمية، قدر الإمكان، إلاّ إذا تكررت الضربات الأميركية، فإنّها ستدفع إيران للبحث عن أيّ وسيلة للرد. على الجهة المقابلة ستركز طهران على  الرد العنيف على إسرائيل، وهو الأمر الذي سيعجّل بوضع سيناريوهات رئيسية على الطاولة؛ إما نجاح الوساطات بإنهاء الحرب، من دون التوصل، على الأقل على المدى القريب، لاتفاق نووي، أو عودة إيران للطاولة لمناقشة البرنامج النووي، كما يرغب ترامب، بعد أن قام بتدمير الجزء الأكبر منه.

بالرغم من أنّ تدخل ترامب أنقذ نتنياهو من مرحلة مفتوحة من الحرب، وحقق أهدافه في التخلص من خطورة السلاح النووي الإيراني المزعوم، إلاّ أنّ التجربة الأخيرة وعقيدة نتنياهو لا ترى الحل إلاّ في التخلص من النظام الإيراني نفسه؛ لأنّه هو مصدر التهديد الحقيقي لطبيعته وللخبرة العلمية والعملية التي يمتلكها الإيرانيون وقد تساعدهم على إعادة بناء البرنامج النووي، لذلك سيكون نتنياهو حريصاً على استمرار إسرائيل بمتابعة وملاحقة النظام الإيراني وإسقاطه والتفرّد بالهيمنة على المنطقة. 

ماذا عن طهران؟! دخلت في معركة قاسية، كانت تتجنبها، وتعتمد بدرجة كبيرة في قوتها على حلفائها وأدواتها، قبل الحرب على غزة، واليوم يدرك قادة نظام «ولاية الفقيه» أنّ المستهدف هو النظام نفسه، وبخلاف ما قد يظنه كثيرون فإنّ سلوك النظام الإيراني هو مزيج من البراغماتية والأيديولوجية، وليس انتحارياً أو متهوراً في السياسة الخارجية الإيرانية (كما يصفه الباحث والخبير الأميركي المعروف، ولي نصر في كتابه الأخيرة الصادر قبل أيام «الاستراتيجية العظمى لإيران.. تاريخ سياسي»),

بالرغم من خطورة الموقف داخل إيران المتأثر بالضربات التي تلقاها النظام على صعيد الشرعية السياسية وتمزيق مصداقية الخطاب الأيديولوجي الذي تبناه خلال العقود الماضية، فإنّ النظام الإيراني سيكون حريصاً على تجنب مواجهة كبرى مع أميركا، وسيحاول رفع وتيرة الضربات والتصعيد، ما سيجعل الحرب في ذروتها في الأيام القادمة، وسيعقب ذلك على الأغلب الوصول إلى وقف إطلاق نار، ثم ترتيبات سياسية وأمنية إقليمية، بخاصة أنّ ترامب أعلن بوضوح أنّه لا يريد حرباً وأوصل رسائل عبر وسطاء غداة الضرب بأنّ الهدف ليس إسقاط النظام، بخلاف هدف بنيامين نتنياهو. 

الهاجس الحقيقي ليس امتداد الحرب إقليمياً، وقد يكون ذلك محدوداً، لكن في مرحلة ما بعد «تحييد إيران»؛ سواء فيما سيترتب على العراق من تداعيات داخلية، وفي الضفة الغربية والقدس مع اختلال موازين القوى الفجّ، وفي فرض الهيمنة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على المنطقة..


 

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية