فتور المزاج الأمريكي تجاه طهران... وتحجيم دورها لا استرضاءها

{title}
أخبار الأردن -

 

•    هناك قناعة عميقة لدى القيادة الإسرائيلية بأن اللحظة الإقليمية مناسبة لتفكيك عناصر القوة الإيرانية

•    فتور المزاج الأميركي إزاء طهران، وتراجع الدور الوظيفي الذي لطالما لعبته كعامل ضغط في منطقة الخليج

•    لم تعد إيران أداة توازن، بقدر ما أصبحت عبئًا أمنيًا يتطلب تحجيمه لا استرضاءه

•    تراجع الاعتماد الأميركي على طهران كـ"فزاعة"

•    عواصم عربية رأت فرصة لتعزيز أمنها عبر الانضواء تحت المظلة الغربية، حتى وإن جاء ذلك على حساب موقف عربي موحد وفاعل

قال الباحث والناشط السياسيّ الدكتور معن المقابلة إن بنيامين نتنياهو يطلّ بوصفه الفاعل الأكثر إدراكًا لطبيعة التحولات الجارية، في مقابل نخب عربية ما زالت غارقة في قراءات بدائية تنتمي إلى منطق الانقسام الطائفي، وتفتقر إلى أدوات فهم اللحظة الجيوسياسية الراهنة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن نتنياهو، بخلاف كثيرين، لم يتعامل مع هجوم السابع من أكتوبر كمجرد صدمة أمنية، وإنما كمنعطف استراتيجي يعيد تشكيل معادلة الأمن في الإقليم، مضيفًا أنه اندفع إلى سلسلة عمليات مكثفة ومتدرجة بدأت بتصفية أذرع إيران العسكرية في غزة، وسوريا، ولبنان، وانتقلت لاحقًا إلى قلب العمق الإيراني نفسه، حيث استهدفت الغارات الإسرائيلية مواقع نووية بالغة الحساسية واغتالت قادة من الصف الأول في الحرس الثوري، في تحول نوعي يشير إلى استبدال سياسة "الاحتواء" بمبدأ "الردع المسبق".

وبيّن المقابلة أن هذه المقاربة تتأسس على قناعة عميقة لدى القيادة الإسرائيلية بأن اللحظة الإقليمية مناسبة لتفكيك عناصر القوة الإيرانية وإعادة بناء التوازنات، لا سيما في ظل فتور المزاج الأميركي إزاء طهران، وتراجع الدور الوظيفي الذي لطالما لعبته كعامل ضغط في منطقة الخليج، فبالنسبة لواشنطن، لم تعد إيران أداة توازن، بقدر ما أصبحت عبئًا أمنيًا يتطلب تحجيمه لا استرضاءه.

في المقابل، تبدو كثير من العواصم العربية، ونخبها على وجه الخصوص، وكأنها خارج السياق تمامًا، إذ ما زالت تقرأ المواجهة من زاوية مذهبية ضيقة، وتستحضر ثنائيات علي ومعاوية لفهم صراع يتجاوز في تعقيداته وتشابكاته كل سرديات التاريخ الإسلامي القديم، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية، مضيفًا أن هذا التكلّس في أدوات الفهم يحوّل الصراع من معركة مصالح واستراتيجيات إلى نقاش لاهوتي عقيم، ويعكس عجزًا خطيرًا في مواكبة ما يحدث على الأرض.

ونوّه المقابلة إلى أن دول الخليج، وخصوصًا السعودية والإمارات، اختارت التموضع بحذر، فبدت مواقفها العلنية محكومة بلغة دبلوماسية محسوبة، فيما تماهت حساباتها العملية مع الرؤية الأميركية -الإسرائيلية التي ترى في تقليم أظافر إيران أولوية قصوى، ومع تراجع الاعتماد الأميركي على طهران كـ"فزاعة"، وجدت هذه العواصم في اللحظة فرصة لتعزيز أمنها عبر الانضواء تحت المظلة الغربية، حتى وإن جاء ذلك على حساب موقف عربي موحد وفاعل.

ولفت الانتباه إلى أن الصين وروسيا تبرزان كلاعبين يحاولان كسر احتكار السردية الغربية، لكنّ تحركاتهما، رغم ما تحمله من شعارات، تبقى محكومة باعتبارات اقتصادية واستراتيجية أوسع، فالصين المعنية باستقرار تدفقات الطاقة، تكتفي بالدعوة للتهدئة، بينما تحاول روسيا، المنهكة في أوكرانيا، استثمار الأزمة لتسجيل نقاط ضد واشنطن دون التورط المباشر في نزاع جديد.

وأردف المقابلة أن المقاومة الفلسطينية تقف كفاعل ميداني رئيس، لكنها في الآن ذاته الطرف الأكثر استنزافًا، إذ تكافح، بإمكانات محدودة، للحفاظ على زخم المواجهة، واستعادة الحضور السياسي للقضية الفلسطينية، ومع أنها كسرت "هالة التفوق" الإسرائيلي في بعض المحطات، إلا أن الكلفة الإنسانية والسياسية باهظة، والخطر الأكبر هو أن تتحول إلى ورقة في لعبة إقليمية أكبر منها بكثير.

واستطرد قائلًا إن المنطقة اليوم على أعتاب إعادة تشكيل عميقة، تُطيح بالثوابت القديمة، وتؤسس لمعادلات جديدة تتجاوز ما كان مستقرًا لعقود، متابعًا أن إسرائيل تعيد تعريف مفهوم أمنها القومي، عبر سياسة الضربات المسبقة وتفكيك المحاور المعادية، والولايات المتحدة تعيد هيكلة حضورها ومصالحها في المنطقة، بينما تقف إيران أمام استحقاق وجودي يعيد اختبار صلابة بنيتها الداخلية وفاعلية أدواتها الخارجية.

المفارقة الصادمة أن معظم النخب العربية ما زالت تسجن نفسها في تحليلات مؤدلجة، تكرر خطابًا قديمًا لا علاقة له بالوقائع المتغيرة، تتعامل مع الصراع الإقليمي كأنه تنازع داخل كتب التراث، بينما تتشكل الخريطة الجيوسياسية من جديد بأدوات القرن الحادي والعشرين: التكنولوجيا، الردع الجوي، الاستخبارات، وتعدد مسارات القوة الناعمة والخشنة، وفقًا لما ذكره المقابلة.

واختتم حديثه بالقول إن من لا يفهم الجغرافيا، سيفوته التاريخ، ومن لا يعيد تعريف مصالحه بمعايير الواقع، سيبقى تابعًا لمعادلات الآخرين، أما من يريد أن يكون فاعلًا، فعليه أن يخلع ثوب المذهبية، ويُحسن قراءة خرائط القوة الجديدة، ويتقن لغة المصالح قبل أن يُكتب عليه أن يكون من المتفرجين في مسرح تُعاد صياغته من دون حضوره.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير