لماذا العفو العام الآن؟

{title}
أخبار الأردن -

 

كتب القانوني رائد طبيشات:

"لماذا العفو العام الآن يا حكومتنا الرشيدة؟"

1. لأن قانون العقوبات المعدل رقم 12 لسنة 2025، والذي دخل حيّز النفاذ بتاريخ 16/6/2025، لم يُعالج إلا القضايا الجزائية من جنح وجنايات لغاية ثلاث سنوات، وقُيِّدت بشروط شبه معقدة كشرط الإسقاط الشخصي وشرط التكرار، ولذلك فإن مدى الاستفادة شبه معدوم، ولن يحقق الغاية من تشريعه المتمثلة في التقليل من اكتظاظ السجون وتحقيق العدالة الجنائية، حسب ما ورد في الأسباب الموجبة لتشريعه. كما غلب عليه الطابع المادي البحت من حيث الاستبدال بالغرامة، وبالتالي لم يُلبِّ الإرادة الشعبية المطالبة بعفو عام شامل.


2. لأن هناك قضايا ذات أحكام عالية مجحفة لا تتواءم ولا تتناسب مع الفعل الجرمي المرتكب وآثاره البسيطة والخفيفة، ولربما أغلبها قضايا كيدية الهدف منها جلب منفعة مادية، وأبسط مثال "قضايا هتك العرض"، التي أغلبها — ووفقًا لدراسات قضائية — مُسقَط عنها الحق الشخصي، ما يعني أن القضية انتهت بين الفرقاء خارج المحاكم، وبقي الحق العام سيفًا مسلطًا على الرقاب، ولربما الكثير من الأبرياء يقبعون في السجون لسنوات عديدة.


3. لأن هناك قضايا ذات أحكام عالية جرت عليها مصالحات عشائرية وصكوك صلح، وتم دفع عشرات الآلاف من الدنانير للحصول على إسقاط للحق الشخصي، وأبسط مثال على ذلك قضايا "القتل والشروع بالقتل"، والشروع تحديدًا، ويرجى العلم بأن الكثير من المجني عليهم الذين أسقطوا حقهم الشخصي يمارسون حياتهم الطبيعية على ما يرام، وذلك بعد ارتكاب الفعل بأيام قليلة، وبنسبة إيذاء لا تُذكر.


4. لأن هناك قضايا ذات أحكام عالية لا يكون فيها خصم إلا الحق العام، كقضايا التعاطي والترويج للمخدرات، وهؤلاء يُعدّون — وفقًا للمفهوم والقانون الإنساني — ضحايا يحتاجون إلى برامج تأهيلية وعلاجية، لا إلى عقوبات سالبة للحرية، إضافة إلى ضرورة تحسين شبكة الأمان الاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئة. ولست معنيًا بالحديث عن تجار السموم، الذين يستحقون العقاب عمّا اقترفوه من أفعال جرمية.


5. لأن قانون العفو العام السابق رقم 5 لسنة 2024 لم يشمل 90% من القضايا أعلاه، باستثناء قضايا التعاطي، وهذا يدحض قول من يدّعي أنه لا ضرورة لعفو عام جديد، لأن المطالب تتركز على جرائم لم يشملها العفو السابق، وهذا منطق قانوني سليم.


6. لأنّه، وبعد كل ما ذُكر أعلاه، كيف للدولة، ممثلة بسلطاتها الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، أن تضمن تحقيق العدالة التصالحية حسب الرؤية الملكية السامية للتطوير القضائي والتحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبما يحقق التوازن الحقيقي بين أفراد المجتمع الأردني الأصيل بجميع أطيافه؟


7. لأن الظروف الاقتصادية صعبة للغاية، وفقًا لتصريحات حكومية، وهناك عائلات وأسر ليس لها معيل سوى ذلك القابع في مراكز الإصلاح والتأهيل، وهذا يتطلب إصدار قانون العفو العام بالسرعة الممكنة للحفاظ على المنظومة الاقتصادية المتردية، وبالتالي الحفاظ على منظومة وشبكة الأمان الاجتماعي وتعزيزها، وهذا دور وواجب الدولة تجاه مواطنيها... ولن أتطرق للظروف المحيطة.

 

– ولأن، ولأن، ولأن... إلخ، فالأسباب الموجبة كثيرة وعديدة لتشريع قانون العفو العام، وكل ذلك يؤدي إلى ضرورة ملحّة للاستحقاق الدستوري والتشريعي لإصداره.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية