3 خيارات قاتلة أمام نتنياهو

{title}
أخبار الأردن -

 

قال الكاتب والباحث في الصحافة العبرية الدكتور حيدر البستنجي إن الخطى تتسارع نحو لحظة الحقيقة بالنسبة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي تجد نفسها اليوم محاصرة بجملة من التحديات الوجودية والاستراتيجية المتداخلة، فبين مطرقة الإنفاق العسكري المتضخم والمتواصل في قطاع غزة، وسندان المعضلة الاجتماعية والأيديولوجية المتمثلة في ملف تجنيد الحريديم، بالإضافة إلى ما يلوح في الأفق من تطورات مقلقة تتعلق بمآلات العلاقة الإيرانية الأميركية، يقف نتنياهو على حافة خيارات شديدة الخطورة، قد تشكّل أي منها نقطة تحوّل في مسار الكيان الصهيوني برمّته.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن في غزة، التي تشكّل في هذه اللحظة الجبهة الأكثر اشتعالًا وتعقيدًا، يجد رئيس وزراء الاحتلال نفسه أمام مسارات محدودة العدد، لكنها شديدة التباين في النتائج والمخاطر، المسار الأول الذي قد ينتهجه يتمثل في السعي نحو تهدئة مؤقتة مع غزة في مطلع الأسبوع المقبل، وهي تهدئة مشروطة ومحمّلة بالرسائل المتعددة، إذ يمكن لنتنياهو – في هذا السيناريو – أن يوظّف وقف إطلاق النار كأداة دعائية لإنقاذ رهائن واحتواء الضغوط الدولية، بالتوازي مع تجميد ملف قانون التجنيد لليهود المتشددين، مفسحًا المجال في الوقت ذاته لتوجيه ضربة موجعة – وإن كانت غير نووية – ضد أهداف إيرانية محددة.

هذه الضربة، إذا ما قُدّر لها أن تستفز طهران للرد، فإنها من شأنها أن تجهض مباحثات التقارب الأميركي الإيراني الجارية خلف الكواليس، وتعيد تموضع إسرائيل كلاعب مركزي في معادلة الشرق الأوسط، بعد أن شعرت بتهميش مقصود من واشنطن، وبهذا، يظهر نتنياهو بمظهر القائد الصارم الذي أنقذ رهائن، وضرب إيران، واحتوى الانقسام الداخلي، دون أن يجرّ البلاد إلى حرب شاملة، وفقًا لما صرّح به لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأشار البستنجي إلى أن المسار الثاني، مرتبط بالاستمرار في الحرب المفتوحة على غزة، مع ما يتضمنه ذلك من سياسة استنزاف مركّزة تجاه قادة حركة حماس ونُخبها العسكرية، ضمن محاولات متكررة لفرض واقع ميداني يُمكّن إسرائيل من فرض شروط قاسية في أي تسوية مستقبلية، إلا أن هذا المسار، رغم ما قد يوفره من فرص لاسترضاء المتطرفين داخل الائتلاف الحكومي، يحمل في طياته تهديدات جسيمة على مستوى التأييد الدولي الذي يواصل التآكل، كما ينذر بتحول الحرب إلى مستنقع استنزاف قد لا يخدم لا المصالح الانتخابية لنتنياهو ولا أهدافه العسكرية، أما الصورة الذهنية لإسرائيل في العالم، والتي تضرّرت بفعل وحشية عدوانها، فهي أمر ثانوي في حساباته الآنية، إذ يرى أن بإمكانه لاحقًا ترميمها عبر أدوات الدعاية والتضليل التي اعتادت تل أبيب توظيفها.

وذكر أن الخيار الثالث، والأكثر خداعًا، هو تسويف ملف الصفقة والمماطلة في حسم أي من القضايا الكبرى، مع الحفاظ على مستوى منخفض من العمليات الجراحية في غزة، بما يضمن إبقاء الضغط على حماس دون التصعيد إلى مستوى الانفجار الشامل، وفي هذا السياق، يسعى نتنياهو إلى كسب الوقت وتأجيل النقاش في قانون التجنيد حتى دخول الكنيست في عطلته الصيفية، بما يخفف الضغط عن الحكومة الائتلافية ويمنحه هامشًا أوسع للمناورة، كما فعل تمامًا في العام الماضي عندما أخضع شخصيات يمينية متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لإرادته السياسية دون تكلفة مباشرة.

وأردف البستنجي أن نتنياهو يتنقّل بين هذه الخيارات الثلاثة بحذر شديد، لكنه لا يشعر بأن الوقت يعمل لصالحه، خاصة مع تصاعد التهديد الإيراني غير القابل للضبط ضمن السياق التقليدي، فالعلاقة الأميركية الإيرانية اليوم تبدو مرشحة لتطورات قد لا تكون في مصلحة إسرائيل، إذ تُظهر واشنطن استعدادًا أكبر لمقايضات سياسية لا تتوافق بالضرورة مع سقف الطموحات الأمنية الإسرائيلية، مما يُنذر بإمكانية أن تجد تل أبيب نفسها مضطرة إلى التحرك أحاديًا – وربما بشكل مباغت – في مواجهة إيران، بعيدًا عن المظلة الأميركية المعتادة.

وأكد إدراك حركة حماس العميق أن العدو الإسرائيلي يملك زمام المبادرة في هذه اللحظة، ويتحرك ضمن خيارات لا تخلو من المكر الاستراتيجي، ومع ذلك، تبدو الحركة مُحاصرة بالصبر الاستراتيجي، تترقب المتغيرات الإقليمية والدولية على أمل أن تسهم التحولات الخارجية في تعويم الموقف الفلسطيني وإخراج غزة من حالة الحصار الدموي. وهي في ذلك تراهن على صلابة الجبهة الداخلية، وعلى صمود ما تبقى من إرادة إقليمية ودولية لردع جنون التطرف الإسرائيلي.

واختتم البستنجي حديثه بالإشارة إلى أن تداخل الملفات، وتشابك الجبهات، وتراجع خطوط التمايز بين ما هو أمني، وسياسي، واقتصادي في المشهد الإسرائيلي، جعلت من خيارات نتنياهو، بكل ما تحمله من مغامرة، خيارات قاتلة… ليس بالضرورة له وحده، بل للمنطقة برمتها.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير