غرايبة يكتب : كيف نجدد مشروعنا السياسي..؟
رحيل غرايبة
السؤال المطروح علينا جميعا في هذه الأوقات الحرجة التي يتعرض فيها العالم إلى جملة من التغيرات الكبيرة التي تجتاح الدول الكبرى والصغرى ، وجميع القارات والاقاليم على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية ، بعد مرور ما يقارب المائة عام على نتائج الحرب العالمية الثانية :-
أين نحن من هذه التغيرات ..؟!
ربما تكون منطقتنا التي يطلقون عليها الشرق الأوسط الكبير هي أكثر المناطق سخونة واشتعالا واستهدافا من الرباط إلى إسلام أباد ..فهي تحت الطرق العنيف على صفيح ساخن ؛ حروب مقصودة ، وقلاقل وعدم استقرار وتدخل من جميع القوى العالمية والإقليمية ..
وهناك قول : من يسيطر على هذه المنطقة الجغرافية يسيطر على قلب العالم ..!
لما لها من أهمية استراتيجية بالغة الأهمية على كل الأبعاد المعروفة ووفق كل المعايير العلمية ..
وحتى لا نستطرد في هذا الحديث طويلا .. فالكلام متشعب ولا حدود له.. لان السؤال المطروح (عنوان المنشور) يخصنا نحن في الأردن ..
أعتقد نحن في بؤرة الحدث .. وهذا يحتم علينا التفكير بطريقة مختلفة .. من أجل التمكن من قراءة المشهد بطريقة علمية وجماعية هادئة ، تجعلنا جميعا في إطار المسؤولية ..
إن الذين يثيرون الغبار ويمتهنون التحريض داخل المجتمع الواحد ، ويعبثون بالوحدة الوطنية ، ويصرفون الأنظار عما تواجهه المنطقة من أحداث خطيرة ومرعبة، هم إحدى فئتين :
* فئة غاىبة عن الوعي ، مغيبة عن الأحداث بإرادتها أو بإرادة غيرها، لا تبصر ولا تقرأ ولا تملك منهجا صحيحا في فهم ما يجري، تكرر عبارات ممجوجة بمنتهى الملل والسطحية والفجاجة المغرقة بقصر النظر ..
* فئة أخرى تعمل على تزييف الوعي بقصد وتوجيه واضح ، وهي تقوم بدور خطير لإلهاء الجمهور عن الحقيقة المفزعة ، وتبحث عن مواطن الإثارة وإشغال العامة بمفرقعات صوتية ، وتكرار تجارب إثارة النعرات والتنقيب عن نقاط الخلاف والإمعان في الإستفزاز المفضي إلى إشعال الحرائق ، حتى لا يرى المستهدفون الخطر الماحق والتهديد الشيطاني الأسود القابع منهم على بعد خطوة ..!
نحن بحاجة ماسة من النخب والسياسيين والأحزاب وأهل الفكر وأصحاب القلم إلى اشغال الناس بالهم الوطني العام ،وتجلية الأخطار المحدقة بنا من كل جانب بحسب أولويتها من الخطورة الأشد ..
ولذلك نحن بحاجة إلى انخراط المجتمع بكل مكوناته وأحزابه ونخبه على الصعيدين الرسمي والشعبي في مشروع وطني سياسي كبير وموحد ، وعلينا أن نوقظ في نفس كل واحد منا معاني الوحدة والأخوة والتكافل والتعاضد في مواجهة الخطر الواحد المتفق عليه بإجماع ، وهذا يقتضي قص كل السنة السوء والتحريض الرخيص، ووقفةكل الطروحات الغبية التي تفتك بعرى الوحدة الوطنية، والتي تنخر في النسيج المجتمعي كما تفعل جرذان سد مأرب ..
* نحن أمام عدو احتلالي استيطاني توسعي ديني مدعوم باستراتيجية غربية حاقدة ؛ تستهدف الإنسان والأرض والمقدرات، وتستهدف الهوية والتاريخ والحاضر والمستقبل..
ولا طريق لمواجهة هذا العدو المتسلح بالأفكار التلمودية والعقائد العنصرية والمدجج بكل أشكال القوة المادية والمعنوية إلا بما يلي :
اولا : الإجماع على أنه هو العدو الأول ، والإجماع على مواجهته والتصدي له ، والإجماع على أن كل ما نعيشه من كوارث ومصائب هي اثر لهذا العدو المجرم ..
ثانيا : بناء الوحدة الوطنية الراسخة والوحدة المجتمعية المتماسكة العصية على كل عوامل النخر والتخريب وإثارة النعرات بكل أشكالها وألوانها ..
ثالثا : التنسيق مع الأقطار العربية والإسلامية والبدء بالجوار العربي أولا حول مشروع عربي موحد بالرؤية نحو العدو الواحد المشترك ، والإنطلاق من خطة مواجهة مشتركة وموقف سياسي موحد ، وتأجيل كل أشكال الخلاف الأخرى ومواطن النزاع التي يعمل العدو على إثارتها وتغذيتها ..
رابعا : كل الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة على الساحة الوطنية جزء من عملية المواجهة الكبرى .. ويجب أن تشتق برامجها وخططها من مشروع الدولة السياسي الاستراتيجي الكبير الموحد ؛ بخطوطه العريضة وقواعده الكبرى المتفق عليها .. ولا يجوز لأي قوة سياسية أو اجتماعية التغريد خارج السرب ، عندما يتم التوافق على المشروع الكبير للدولة ..
أي كلام وأي حديث وأي فعل خارج هذا الإطار الوطني الكبير يجعلنا نعمل لخدمة عدونا الشرس الذي لا يرحم ، بوعي أو بغير وعي ، ويجعلنا لقمة سائغة لمشروعه القائم على تمزيقنا وتفريقنا وشل وحدتنا وإثارة كل عوامل النزاع بين صفوف مجتمعاتنا ..
وعندما يتضح المشروع وتضح البوصلة تظهر كل خفافيش العدو التي تخترق مجتمعاتنا وأوطاننا ..ويظهر الوطني الغيور من العميل المأجور .. ويتبين من يعمل على بصيرة ومن يخبط خبط عشواء ..
بقي القول أن المسؤولية علينا جميعا بلا استثناء ...

