خطاب الملك عبدالله الثاني في عيد استقلال الأردن الــ 79… وحدة، عزيمة، ومسيرة مستمرة
بقلم: الدكتور حمدان عبدالقادرغنيمات
في كل عام، يأتي عيد استقلال الأردن ليذكّرنا بواحدة من أسمى القيم الوطنية: الحرية والسيادة الوطنية. وفي هذا العام، في الذكرى الـ79 لهذا الحدث التاريخي، خطا جلالة الملك عبدالله الثاني خطوة مهمة عبر خطاب وطني قصير لكنه ثري في معانيه، يعكس حال الأردن اليوم والتحديات التي يواجهها، ويرسم في الوقت ذاته صورة مستقبلية نابعة من وحدة الشعب وعزيمة القيادة.
الخطاب: ملامح رسالة صادقة وواضحة
افتتح جلالة الملك كلمته بتحية دافئة لأبناء وبنات الشعب الأردني، متحدثًا عن الوفاء والأصالة التي تميز الشعب الأردني، وهو ما يعكس الحرص الملكي على التواصل الروحي العميق مع مواطنيه. هذه البداية تعزز الشعور بالانتماء والهوية الوطنية، وتعيد التأكيد على أن الأردن هو الوطن لكل أبنائه، مهما كانت الظروف.
توجه جلالته إلى ماضي الأردن العريق، مشيدًا بالإنجازات التي تحققت رغم كل الصعاب، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل رفع نظره إلى المستقبل الواعد الذي يبنى بإرادة وعزيمة أبناء الوطن، مشددًا على ضرورة مشاركة الجميع في هذا البناء "بتبني سواعدنا"، كناية عن العمل الجماعي والتكاتف.
العمل الجماعي كركيزة أساسية للنهضة
في خطاب عيد الاستقلال هذا العام، لم تكن هناك وعود مبهمة أو شعارات جوفاء، بل رسالة واضحة مفادها أن التقدم الحقيقي لا يأتي إلا عبر العمل المشترك والجهد الجماعي. فعندما يقول جلالة الملك "نصنع مستقبلنا بعون الله وبإرادتنا وعزيمتنا"، فهو يوجه دعوة ضمنية لكل الأردنيين ليكونوا شركاء فاعلين في صياغة مستقبل وطنهم، لا متفرجين أو متلقين فقط.
هذا الخطاب يعكس فهمًا عميقًا لواقع الأردن، الذي يمر بمنعطفات سياسية واقتصادية معقدة، حيث تحتاج الدولة إلى تكاتف الجميع لتجاوز التحديات.
أمن واستقرار: عنوان استراتيجي في خطاب الملك
ركز جلالة الملك على الأمن والاستقرار، موضحًا أن كليهما "يُرعى بعناية الرحمن وتحرسه زنود بواسل جيشنا العربي المصطفوي وأجهزتنا الأمنية". هذه الجملة ليست فقط تقديرًا للتضحيات التي يقدمها الجيش والأجهزة الأمنية، بل هي تأكيد على أن الاستقلال الحقيقي لا يتحقق دون قوة مؤسسات الدولة وقدرتها على حماية السيادة.
في عالم مضطرب، حيث يتعرض الأردن إلى تحديات إقليمية متسارعة، يذكرنا الملك في هذا الخطاب بأن الحفاظ على الأمن الداخلي هو أساس لأي نجاح في التنمية والاستقرار السياسي.
اختيار الخطاب: تواضع وواقعية
تميز الخطاب بقصره وتواضعه، وهو أمر ملفت في زمن تعج فيه الخطابات الرسمية بالكلمات الطويلة والوعود الكبيرة. هذا التواضع اللغوي يعكس واقعًا مؤسسيًا يركز على الإنجاز الفعلي وليس على المظاهر أو الخطابات التي لا تنفذ.
الخطاب يعكس ثقة متبادلة بين القيادة والشعب، مبنية على حقائق ملموسة أكثر من مجرد كلام رنان. هذه الواقعية في الخطاب هي ما يجعل منه رسالة قوية وقادرة على أن تُحدث تأثيرًا حقيقيًا.
دعوة صادقة للاستمرار في بناء الوطن
في ختام كلمته، وجه الملك تحية حب واعتزاز لأسرته الوطنية، "الأهل والعزوة"، مؤكدًا أن الأردن يستحق "الكثير من العمل والتفاني". هذه الكلمات تلخص جوهر ما يحتاجه الأردن الآن، فهي ليست مجرد كلمات معسولة، بل نداء حقيقي للحفاظ على وتيرة العمل والبناء الوطني.
الاستقلال.. مسؤولية دائمة لا تنتهي
خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني هذا العام، يؤكد أن الاستقلال ليس حدثًا يحتفل به لمرة واحدة، بل هو حالة مستمرة ومسؤولية يومية. الاستقلال الحقيقي يتحقق عبر العمل المتواصل للحفاظ على كرامة الدولة واستقرارها، وضمان حقوق مواطنيها.
هو دعوة لإعادة الاعتبار لمفهوم الاستقلال بوصفه عملية تشاركية تتطلب تضافر الجهود بين القيادة والشعب، والتزامًا جماعيًا بمسيرة البناء والتنمية.
في الختام:
خطاب الملك.. مرآة لشعب يعيش التحديات بروح التفاؤل
في زمن تتداخل فيه التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يقدم خطاب الملك عبدالله الثاني نموذجًا يحتذى به في التواصل الوطني: خطاب لا يعاني من الازدواجية ولا من الغموض، خطاب يضع اليد على الجرح لكنه في الوقت ذاته ينقل رسالة أمل وثقة في قدرة الأردنيين على تجاوز الصعاب وبناء وطنهم.
هو خطاب يعيد الاعتبار إلى قيم الوحدة، الصبر، والعمل الدؤوب، في رحلة مستمرة نحو استقلال جديد يليق بطموحات الأردن وشعبه.

