شديفات يكتب : عيد الاستقلال بين احتفال الوطن وتجاوزات الأجندات!

{title}
أخبار الأردن -

 

كتب عبدالرحمن خلدون شديفات

اليوم، ونحن نحتفل بذكرى استقلال الأردن التاسع والسبعين، كان من المفترض أن تكون هذه المناسبة الوطنية بامتياز، يوماً لتوحيد الصفوف، واستذكار تضحيات الآباء والأجداد، والاحتفاء بمنجزات الدولة على مدى عقود. لكن للأسف، شهدنا مشهداً آخر، مشهداً يُعيد تعريف مفهوم الوطنية، ويُلقي بظلال من الشك على نوايا من يتصدرون المشهد في مثل هذه الأيام.

لم يكن مستغرباً أن تتحول دعوات التجمع، التي خرجت تحت عباءة "الملتقى الوطني لدعم المقاومة"، إلى مساحة لتمرير خطابات وأجندات خاصة، تتجاوز حدود الدعم المشروع، لتصل إلى مربع الاستقواء على الدولة، والإساءة إلى مؤسساتها، ومحاولة ليّ ذراع القرار الوطني. إن استخدام ذكرى الاستقلال، وهي مناسبة جامعة بامتياز، كمنصة للرد على قرارات سيادية اتخذتها الدولة لحفظ أمنها واستقرارها، هو خطأ فادح، وسابقة خطيرة لا يمكن أن تمر دون مساءلة.

إن مفهوم الوطنية الحقة لا يمكن أن يكون ثوباً مرقعاً، يُلبس تارة ويُنزع تارة أخرى حسب مقتضيات المصلحة الحزبية أو الأجندة الضيقة. فمن يتشدق بالوطنية اليوم، ويُلوّح ببطاقة الشرفاء، عليه أن يواجه مرآة التاريخ بشفافية تامة. فالتاريخ لا يرحم أحداً، وهو يُسجل بأحرف من نور مواقف من بنوا، ومن حافظوا، ومن دافعوا عن هذا الوطن، كما يُسجل أيضاً معارك الهامش، وصراع الفراغ، ومحاولات الارتزاق على حساب القضايا الوطنية الكبرى.

وإذا ما فتحنا دفاتر التاريخ، فمن يتحدث عن "فضيحة وادي عربة"، عليه أن لا يتجاهل أسئلة أكثر إلحاحاً حول صفحات أخرى من تاريخنا المعاصر، كـ"أوسلو" وتداعياتها التي ما زالت تُرخي بظلالها على المشهد الفلسطيني برمته. الانتقائية في قراءة التاريخ، واستحضار ما يخدم الرواية الحزبية فقط، هو تزييف للوعي، وتضليل للرأي العام، ومحاولة يائسة للقفز فوق حقائق دامغة.

ما سمعناه من هتافات في وسط البلد اليوم، لم يكن له أي علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، بذكرى الاستقلال. لم نلمس فيها روح الاحتفاء بالإنجازات الوطنية العظيمة التي تحققت على مدى تسعة وسبعين عاماً من عمر الدولة، ولا حتى تقدير لتضحيات الأردنيين في بناء صرح هذا الوطن. بل كانت هتافات تُعلي من شأن الصراع، وتُعمّق الانقسام، وتُرسل رسائل سلبية عن وعي جماعي غاب عنه جوهر المناسبة.

ألم يجد هؤلاء "الهتّيفة" في ذكرى الاستقلال أي إنجازات أردنية تستحق الذكر والاحتفاء؟ ألم يجدوا في صمود الدولة الأردنية، وفي استقرارها، وفي دورها المحوري في قضايا الأمة، ما يستحق أن يُرفع به الصوت عالياً؟ أم أن الأجندة كانت مُعدة سلفاً، ومُصممة لتُطفئ شمعة الاستقلال، وتُشعل نار الفتنة تحت رماد الشعارات البراقة؟

إن الأردن، في ذكرى استقلاله التاسع والسبعين، أحوج ما يكون إلى خطاب وطني جامع، يُعلي من شأن الدولة ومؤسساتها، ويُعزز اللحمة الوطنية، ويُركز على البناء والإنجاز، بدلاً من الانجرار خلف صراعات هامشية، ومحاولات استعراض القوة على حساب الوطن. فالوطنية الحقة هي في البناء، في الصون، في الوحدة، وفي احترام سيادة الدولة وقراراتها، لا في تقويضها أو استخدام مناسباتها المقدسة لأغراض حزبية ضيقة.

التاريخ يسجل، والشعب يراقب، وكل من يحاول أن يرتدي ثوب الوطنية المرقع، بات مكشوفاً. فالحساب قادم، ليس فقط على مستوى القانون، بل على مستوى الوعي الجمعي الذي لن ينسى من حاول أن يسرق منه فرحة استقلاله، ليُحوّلها إلى منبر لأجنداته الخاصة.

تابعونا على جوجل نيوز
البحر المتوسط لإدارة المواقع الإخبارية الالكترونية