هل أنتم مستعدون لما نحن مقبلون عليه؟

قال الأستاذ المشارك والباحث المتخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية الدكتور علي النظامي إن سلوك الكيان الصهيوني بات اليوم يمثل الإعلان الصريح عن موت مرحلة وبزوغ أخرى.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن كل يوم يحمل إلى العالم دليلًا قاطعًا على أن إسرائيل ـ بوصفها الذراع التنفيذي لمشروع استعماري لاهوتي ـ لا تعترف بقانون دولي، ولا تعبأ بمعاهدات، ولا تقيم وزنًا لأعراف دبلوماسية، ما دامت هذه المرجعيات تتعارض مع مسارها التوسعي، ومع الرؤية البنيوية لمشروع "الشرق الأوسط الجديد".
وبيّن النظامي أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه في ظل هذا التمرد المنهجي هو: لماذا تفعل إسرائيل ذلك الآن، مضيفًا أن العالم يقف اليوم على أعتاب مرحلة حسم الصراع الوجودي، لا إدارته، وهذه المرحلة التي يُصطلح عليها داخل الدوائر الغربية الحليفة لإسرائيل بـ"العهد الإبراهيمي"، ليست مجرد اتفاقية سياسية أو تحالف اقتصادي، فهي لحظة تاريخية فاصلة، تؤذن بانتهاء صلاحية القانون الدولي والمؤسسات متعددة الأطراف، بما هي أدوات وظيفية ارتبطت بمنظومة إدارة الصراعات، لا بحسمها.
بعبارة أخرى، إن القانون الدولي ـ الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية وارتكز إلى مفاهيم السيادة، والحدود، والتوازنات الجيوسياسية ـ لم يعد صالحًا في نظر إسرائيل واللوبيات التي تدعمها، لمواكبة متطلبات التحول الهيكلي في التوازنات الإقليمية والديمغرافية والأمنية، فحسم الصراع يستوجب بالضرورة تغيير قواعد اللعبة، وتقويض المؤسسات الضامنة، وتفكيك الأعراف المعيارية التي كبلت المشروع الصهيوني لقرن من الزمن، وفقًا لما صرّح به النظامي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
وأشار إلى أنه يمكن فهم الإصرار الإسرائيلي ـ المدعوم لاهوتيًا وسياسيًا من قبل التحالف الإنجيلي - الصهيوني ـ على تجاوز كل الخطوط الحمراء، ورفض كل أشكال التقييد أو المساءلة، حتى من أقرب الحلفاء، إلا أن هذا المشروع لا يمر دون كُلفة، فالدول الكبرى، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة، بدأت تلمس حجم الضرر الاستراتيجي الناتج عن انهيار النظام العالمي القديم، ومن هنا، نشهد موجة من التصريحات المنددة، ليس حرصًا على العدالة، وإنما دفاعًا عن مصالح بدأت تتآكل بفعل الفوضى التي يكرسها المشروع الصهيوني.
وأردف النظامي أن ما نراه اليوم هو تغير جيوبوليتيكي عميق يمس بنية العالم المعاصر، فالارتدادات تتسارع في أوروبا، والاضطرابات تضرب الداخل الأميركي، كما بدأت ملامح الانكشاف الجيوسياسي تظهر في الصين وروسيا، ناهيك عمَّا يعصف بدول الشرق الأوسط من تحولات جذرية.
ونوّه إلى أننا أمام مرحلة انتقالية فريدة في التاريخ المعاصر، مرحلة تسودها الضبابية، ويغلفها الغموض، وتتسم بتراجع اليقين، بالتزامن مع ظهور ما يمكن تسميته بـ"العصر الصهيوني"، وهو توصيف دقيق لمرحلة تسعى فيها القوى الدافعة لهذا المشروع إلى إعادة صياغة العالم وفق منطق ديني-سياسي توراتي، يطيح بكل ما أنتجه العصر الليبرالي من قيم حقوقية ومؤسسية.
وهنا لا بد من التمييز: فإسرائيل، بما هي كيان سياسي وأمني، ليست سوى أداة تنفيذية، أما العقول التي صاغت المشروع، وأشرفت عليه، وتسهر على تنفيذه منذ عقود، فهي اللوبيات الصهيونية والإنجيلية المتحالفة، والتي تمتلك النفوذ الحقيقي في مراكز القرار المالي والإعلامي والتشريعي في الغرب، وتعمل على تطويع العالم ـ شعوبًا ونخبًا ومؤسسات ـ للقبول بالأمر الواقع، بل والتكيف معه تحت مسميات جديدة، وفقًا لما عبّر عنه النظامي لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
واختتم النظامي حديثه بالإشارة إلى أن ما نحن مقبلون عليه ليس مشروع سلام، ولا حتى مشروع استقرار، وإنما هو، بكل وضوح، مشروع إحلال حضاري وقيمي، يستبدل منظومة القانون الدولي بمنظومة التفوق الديني، ويقايض السيادة الوطنية بسياسات الطاعة والارتهان، ويروّج لأطروحة "الفوضى الخلاقة" بوصفها الممر الضروري نحو "نظام صهيوني عالمي جديد".