رهانات كبيرة على الشرع وإسرائيل تتوعد بقتل الحوثي... السبايلة يضع النقاط على الحروف

قال خبير الشأن الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة إن إسرائيل تمضي بخطى متسارعة نحو إعادة توجيه اهتمامها العسكري والأمني نحو الجبهة اليمنية، التي ظلّت حتى وقت قريب تُدار بصورة غير مباشرة عبر الغطاء الأمريكي، غير أن تراجع الولايات المتحدة عن الانخراط المباشر في مواجهة الحوثيين، والامتناع مؤخرًا عن تنفيذ ضربات استراتيجية ضدهم، فتح المجال أمام تل أبيب لملء هذا الفراغ الأمني وفق رؤيتها الخاصة، بل وربما وفق أجندة أكثر حسمًا وجذرية.
وأوضح أن النهج الإسرائيلي، يتجاوز منطق الاحتواء أو الردع المؤقت، إلى تبنّي مقاربة تقوم على "الإنهاء الكامل للتهديد"، باعتبار أن تل أبيب لا تؤمن بإمكانية التعايش مع أي مصدر خطر دائم، بغض النظر عن حجمه أو طبيعته، ومن هذا المنطلق، فإن إسرائيل ترى في الحوثيين تهديدًا وجوديًا متصاعدًا، من حيث ارتباطهم بإيران، التي تُعدّها إسرائيل الخطر الإقليمي الأشدّ تهديدًا على أمنها القومي.
وبيّن السبايلة أنه بات واضحًا نظر تل أبيب إلى اليمن كامتداد طبيعي للمسرح الإيراني، وأن أي تراخٍ في التعامل مع الحوثيين سيُترجم لاحقًا إلى تصعيد إيراني غير مباشر على جبهات أخرى، لذلك، فإن إسرائيل بصدد الانتقال من مرحلة الضربات الجوية المحدودة، إلى استراتيجية أكثر شمولًا، تقوم على عزل الحوثيين بحريًا، وقطع خطوط الإمداد والتمويل، بما فيها الدعم اللوجستي والإيراني، وتنفيذ عمليات استخباراتية دقيقة، واغتيالات نوعية تستهدف البنية القيادية للحوثيين، بهدف تفكيك النواة الصلبة للتنظيم، وخلق فراغ داخلي يصعب ملؤه.
ولفت الانتباه إلى أن هناك تكلفة دموية لهذه المرحلة، خاصة أن الحوثيين يسيطرون فعليًا على العاصمة صنعاء، ويمتلكون امتدادات قبلية وعسكرية راسخة، ومع ذلك، فإن الهدف الإسرائيلي في هذه المرحلة هو تقويض البنية التحتية للحوثيين، وشل قدراتهم العملياتية، وتفكيك تماسكهم التنظيمي، إلى الحدّ الذي يجعل هزيمتهم ممكنة بأدوات محلية وبكلفة أقلّ.
ويتقاطع هذا التوجّه مع مسار أوسع انتهجته إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، يتمثل في تقطيع أوصال الجبهات المترابطة ضمن محور المقاومة، وحرمانها من ميزة الإسناد المتبادل، فإيران لم تعد تملك حرية المناورة كما في السابق، كما أن قنوات إيصال السلاح إلى الحوثيين لم تعد تعمل بالكفاءة ذاتها، في ظل الرقابة الإقليمية والدولية.
مصير الشرع على الطاولة
وأشار السبايلة إلى أن سيناريو التخلص من الرئيس السوري أحمد الشرع لا يزال مطروحًا بقوة على الطاولة، نظرًا لتقاطع عوامل داخلية وخارجية تجعل من استهدافه احتمالًا قائمًا، لا سيما بعد أن أصبح لاعبًا رئيسيًا في مرحلة ما بعد الصعود إلى السلطة.
وأوضح أن هناك أطرافًا عديدة، بعضها خاسر في المشهد السوري، وأخرى متوجسة من تحوّل قيادة الشرع إلى مشروع استقرار سياسي، ترى في اغتياله وسيلة لإجهاض مسار قد يُفضي إلى ترتيب جديد في المعادلة السورية، ومع ذلك، شدد على أهمية إدراك أن هذا الاحتمال لا يُقرأ بمعزل عن السياق الإقليمي، وتحديدًا الموقف العربي، الذي بات أكثر وعيًا بمخاطر ترك سوريا رهينة الفراغ السياسي أو الانهيار المؤسساتي.
فالدول العربية الفاعلة، أدركت باكرًا أن تكرار السيناريو العراقي في سوريا — أي تدمير الدولة وتفكيك مؤسساتها — سيقود إلى كارثة ممتدة، ربما تُفضي إلى حالة من الإرهاب المزمن والفوضى المتنقلة، لن تتوقف حدودها عند الداخل السوري، بل قد تتمدد إلى العمق الإقليمي بأكمله.
وأضاف السبايلة أن هناك مقاربة عربية — بدأت من الرياض، ووجدت صداها في عمان — تستند إلى مبدأ الواقعية السياسية، مفادها أن التعويل على انتقال سياسي هادئ ومستقر أفضل من المجازفة بفوضى غير قابلة للضبط، وفي هذا الإطار، يُمثّل الأردن حالة خاصة، حيث يرى أن أي تصعيد داخلي في سوريا سينعكس عليه مباشرة، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية التي تواجهه منذ سنوات، وعلى رأسها تفشي تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود الشمالية.
وأشار إلى أن الموقف الأردني، المبني على الإدراك العميق لتبعات الانهيار السوري، لا يملك ترف السماح بتحوّل سوريا إلى ساحة حرب ميليشيوية أو ممر مفتوح للإرهاب، مما يجعل من مصلحة عمّان دعم أي سيناريو يحول دون سقوط الدولة السورية في الفوضى، ومن هذا المنطلق، يمكن فهم الانفتاح الحذر تجاه القيادة السورية الجديدة كجزء من محاولة استباقية لإغلاق بوابات الجحيم قبل أن تفتح.
وتابع السبايلة أن جزءًا كبيرًا من الزخم والضغط الممارس على شخصية الشرع مؤخرًا، يعكس رهانًا داخليًا وإقليميًا على إمكانية إعادة تأهيله للعب دور محوري في المرحلة القادمة، ليس بوصفه رئيسًا تقليديًا، وإنما باعتباره نقطة ارتكاز تُمكِّن من إعادة إنتاج النظام ضمن شروط جديدة.
وقال إن عودته من الرياض مثّلت بداية امتحان فعلي، يختلف جذريًا عن التجارب السابقة التي وُصفت بالفاشلة في تقديم رؤية جامعة للحكم في سوريا. فاليوم، يتم التعامل معه من قِبل دوائر دولية باعتباره مرشحًا لـ«الدور الصعب» الذي يتطلب ضبطًا للميدان، وتفكيكًا لشبكات التهريب والفساد، والتعامل بواقعية مع الملف الأكثر إلحاحًا: تفكيك البُنى الميليشيوية ومواجهة تنظيم داعش.
وفي هذا السياق، اعتبر السبايلة أن التحدي الأكبر أمام الشرع يتمثل في قدرته على السيطرة على المجموعات المسلحة التي ما تزال تنشط داخل الجغرافيا السورية، وإخراج المقاتلين الأجانب الذين يُعدّ وجودهم عامل تفجير دائم، كما شدد على ضرورة إنهاء حالة فوضى السلاح، بغض النظر عن الهوية الأيديولوجية أو الطائفية لحامليه، في إطار بناء دولة قادرة على استعادة السيادة والاحتكار المشروع للعنف.
وختم السبايلة تحليله بالإشارة إلى أن الشرع، رغم الدعم الضمني الذي يحظى به، ما زال يواجه خصومًا كثرا، داخليًا وخارجيًا، وأن لحظة الاختبار التي دخلها تتطلب منه إثباتًا فعليًا لقدراته القيادية والسياسية، لا سيما في ظل تعقيدات الملف السوري وتشابكاته مع الملفات الإقليمية، وعلى رأسها العلاقة مع إسرائيل.
وخلص إلى القول بأن عودة الحديث عن سيناريو الاغتيال بهذا الزخم، إنما تعكس عمق الرهانات والصراعات المرتبطة بمستقبل سوريا، وأن النجاح في هذا الامتحان قد لا يكون كافيًا للبقاء، ما لم يُقترن بقدرة حقيقية على المبادرة والتأثير.