10 رسائل صادمة في زيارة ترامب إلى الخليج

{title}
أخبار الأردن -

 

 

•    ما جرى كان استعراضًا فجًّا لنمط جديد من العلاقات الدولية قائم على ابتزاز اقتصادي مباشر

•    ما رافق زيارة ترامب من ضجيج إعلامي لم يكن سوى ستار دخاني لتمرير أجندة مصلحية بحتة

•    ترامب غادر المنطقة محمّلًا بعقود استثمارية وتجارية خيالية، بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات

•    لا أحد يعلم ضد من ستُستخدم ترسانة الأسلحة التي ابتاعتها السعودية

•    الإفراج عن عيدان هدف إلى كسب تعاطف ترامب المعروف بسماته النرجسية الحادة

•    المفارقة الأكثر مأساوية تمثّلت في تكثيف إسرائيل لغاراتها الجوية الهمجية على قطاع غزة خلال الزيارة نفسها

•    السلوك العربي خلال الزيارة لم يعكس سوى حالة قطرية بائسة

•    ترامب تظاهر بالحديث عن المعاناة الإنسانية وهو ذات الرجل الذي لم يتردد في الإفراج عن شحنات سلاح فتاكة لصالح إسرائيل

قال أستاذ العلاقات الدولية في واشنطن، الدكتور عصام صيام، إن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج العربي شكّلت لحظة فارقة في المسار العربي، وأعادت تعريف العلاقة بين القوة الغربية والمجال العربي ليس على أساس الشراكة أو التفاهم، وإنما عبر معادلة مشبعة بالاستعلاء، والتهميش، والامتهان الرمزي.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما جرى كان استعراضًا فجًّا لنمط جديد من العلاقات الدولية قائم على ابتزاز اقتصادي مباشر، وتغاضٍ مريب عن الكرامة، وتفكيك شبه تام لأي مرجعية عربية موحدة تجاه القضية الفلسطينية.

وبيّن صيام أن قدر الشعوب العربية، أن تواصل خوض غمار القهر بكل تمظهراته، وأن تختبر يوميًا ذروة الانسحاق أمام مشهد سياسي دولي لا يعير أي اعتبار لحقوقها أو تطلعاتها، واصفًا هذا القهر بأنه "ثقيل الوطأة إلى حدّ يشابه سكرات الموت"، إذ يتحول إلى واقع يومي خانق لا يترك للشعوب سوى الحيرة أو الغضب المكبوت.

وأشار إلى أن ما رافق زيارة ترامب من ضجيج إعلامي وتصريحات استباقية حملت وعودًا فارغة، لم يكن سوى ستار دخاني لتمرير أجندة مصلحية بحتة، حيث قيل آنذاك إن الرئيس الأمريكي سيعترف بالدولة الفلسطينية من قلب الرياض، أو أنه سيُعلن عن مبادرة لإنهاء العدوان على غزة من الدوحة، غير أن الواقع أثبت أن تلك التصريحات لم تكن سوى أدوات للاستهلاك المؤقت، إذ لم يصدر عن الزيارة أي موقف جوهري يُراعي القضايا المركزية للعرب، بل على العكس، مثّلت أبو ظبي — بحسب تعبيره — محطة خالية من كل بُعد استراتيجي، وكأنها صُممت لتكون أرضًا بلا مفاجآت، ولا أخبار سارة.


ونوّه صيام إلى أن الرئيس الأمريكي غادر المنطقة محمّلًا بعقود استثمارية وتجارية خيالية، بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات، كان النصيب الأوفر منها لصالح شركات السلاح الأمريكية، في حين كانت السعودية وحدها قد تعهدت بشراء أسلحة بقيمة تجاوزت 142 مليار دولار، دون أن يكون واضحًا، لا لدى صانع القرار السعودي ولا لدى الرأي العام، ضد من ستُستخدم هذه الترسانة، أو كيف تبرَّر في ظل واقع لا يحمل أي تهديد وجودي مباشر.

وذكر صيام أن قطر كانت قد مارست ضغوطًا على حركة حماس قبل الزيارة، لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي – الأمريكي عيدان إسكندر، كخطوة رمزية تهدف إلى كسب تعاطف ترامب المعروف بسماته النرجسية الحادة، وقد تم الإفراج عنه فعلًا دون مقابل مادي أو سياسي، بناءً على وعود قطرية بإعادة فتح المعابر واستئناف تدفّق المساعدات الإنسانية المتوقفة، وهي وعود سرعان ما تلاشت على وقع الواقع الميداني المتفجر.

ولفت صيام الانتباه إلى أن المفارقة الأكثر مأساوية تمثّلت في تكثيف إسرائيل لغاراتها الجوية الهمجية على قطاع غزة خلال الزيارة نفسها، في رسالة تنطوي على قدر بالغ من الاستخفاف بالأنظمة الخليجية التي استقبلت ترامب، وكأنها تُخاطب العالم بعبارة: "نقصف متى شئنا، وأينما شئنا، ولا اعتبار لأي شريك عربي مزعوم".

وأردف أن الزيارة افتقرت لأي مضمون جيوسياسي، وكانت محكومة بالكامل بالسياق التجاري – الريعي – الدعائي، مشددًا على أن السلوك العربي خلالها لم يعكس سوى حالة قطرية بائسة، تتنافس فيها العواصم على نيل استحسان ضيف متغطرس، في الوقت الذي كان فيه الغزيون يواجهون الموت جوعًا وقصفًا.

وأكد أن هذه اللحظة رسّخت انهيار الخطاب العربي الجامع، إذ لم يتجرأ أي أحد على ذكر كلمة «غزة» خلال مراسم الاستقبال، في حين تظاهر ترامب بالحديث عن المعاناة الإنسانية هناك، وهو ذات الرجل الذي لم يتردد، منذ تسلّمه الحكم، في الإفراج عن شحنات سلاح فتاكة لصالح إسرائيل، مانحًا حكومتها شيكًا مفتوحًا في التعامل مع القطاع المحاصر.

واستطرد صيام قائلًا إن ما جرى لا يمكن قراءته إلا في إطار مسلسل طويل من الإهانات المتعمّدة للعرب، بدأت بعدم التطرّق إلى وقف العدوان على غزة، وبلغت ذروتها حين صرّح ترامب برغبته في استيلاء أمريكا على القطاع، دون أن يسمع من أي من قادته العرب المضيفين كلمة ترفض هذا العبث، أو تؤكد أن «غزة ليست للبيع»، بل هي أرض فلسطينية غير قابلة للتفريط.

وأشار إلى لحظة بالغة الرمزية حين أعلن ترامب، وبنبرة تفاخرية، أن المسلمين أغلقوا مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي ليوم كامل من أجل زيارته، في سابقة لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، تُجسّد حجم الانهيار في الهيبة الرمزية للمكان والناس.

وأعرب صيام عن استغرابه من إعلان ترامب عن دور مرتقب لـ«الجولاني» — المصنّف أمريكيًا سابقًا كإرهابي — في عملية تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، وكأن الأدوار تنقلب، والتصنيفات تتلاعب بها المصالح، بينما النار ما زالت تلتهم غزة، ولم ينسحب الاحتلال من أي شبر من الأرض المغتصبة.

وتابع أن غياب فلسطين عن أجندة الزيارة لم يكن مجرّد إغفال، وإنما كان تغييبًا مقصودًا وممنهجًا، يُعبّر عن تقادم موقعها في الوجدان الرسمي العربي، وحين غابت فلسطين، غابت تلقائيًا كل معاني والسيادة والكرامة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير