هل تُخفي يد ترامب الممدودة قنبلة موقوتة أم وعدًا بالنجاة؟

{title}
أخبار الأردن -

 

قال عضو الحزب الجمهوري بشار جرار إن هناك تساؤلات جدّية حول الإمكانات المتاحة لولادة متغيّرات سياسية كبرى، تُعيد رسم خريطة التحالفات والمصالح، وربما تُحدث اختراقات غير مسبوقة.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن ما يمكن وصفه بـ"البوابة التحليلية"، أعادت تسليط الضوء على أحد المفاتيح الجوهرية في فهم ديناميكيات التفاوض وفق المدرسة الترامبية، القائمة على التصعيد الإعلامي المقصود، والتوظيف البراغماتي لعنصر "الجنون المحسوب".

وبيّن جرار أن تجربة كوريا الشمالية تُعدّ أنموذجًا صارخًا على هذا النمط من المقاربة؛ حيث بلغ التوتر مستوىً كارثيًّا مع التهديد باستخدام "ضغطة زر" لإطلاق ضربة نووية عابرة للقارات، قادرة نظريًّا على محو نصف الكرة الأرضية، إلا أن ما أعقب ذلك من مشاهد، كاجتياز الحدود بين الكوريتين، يؤشر إلى فاعلية استراتيجية التصعيد الإعلامي المدروس، التي يُراد منها في جوهرها إنتاج مناخ تفاوضي مرن، قائم على تحطيم سقف التوقعات، لإعادة ضبطه بما يخدم مصلحة الفاعل السياسي.

وذكر أن المسألة لم تكن حصرًا في المال، رغم أنه ــ بلا شك ــ يحمل جاذبية استراتيجية ويشكّل عاملًا مغريًا، وإنما في "الموجودات الأثمن"، كما يقول منطق رجال الأعمال، ألا وهي: العلاقة الإنسانية، أو "معرفة الشريك"، مضيفًا أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن تكون أولى الاتصالات الرسمية، في كل من الولايتين، مع ولي العهد السعودي، وأن تكون أولى زيارات ترامب الخارجية إلى الرياض؛ وهو ما يعكس قناعة ثابتة بأن الشريك الإقليمي الأوثق هو من يستطيع تمكين الرئيس الأميركي من تنفيذ رؤيته في بناء تحالفات قائمة على عقلانية المصالح لا على عاطفية الخطابات.

وونوّه جرار إلى أن ترامب نفسه، خلال ولايته الأولى، لم يكن مدركًا بشكل كافٍ لطبيعة "الدولة العميقة" في واشنطن، ولا لتشابكات "المستنقع السياسي" الذي لطالما دعا إلى تجفيفه، ومع مرور الزمن، بدأ يطوّر خطابًا أكثر نضجًا، بلغ ذروته حين أقرّ بأن بلاده، بوصفها دولة عظمى، فشلت في مشروع التدخل الخارجي، سواء من بوابة المحافظين الجدد الذين دمّروا بغداد وكابول، أو من زاوية الليبراليين الذين اعتقدوا أن بوسعهم هندسة المجتمعات عن بُعد، دون احترام للثقافات المحلية.

وأردف أن ترامب لمّح في معرض الثناء على الشريك السعودي، إلى أن سرّ النجاح السياسي في بيئات مركبة ثقافيًا، يكمن في احترام تلك الخصوصيات، وهذا، بالمناسبة، هو ما عجزت عنه الإدارات الأميركية السابقة، التي سعت لتطبيق وصفات معولمة على مجتمعات ذات بنى تاريخية ومذهبية مركبة.

وبالعودة إلى الملف السوري، فإن الصورة الأيقونية لما وصفه البعض بـ"مصافحة الامتنان"، والتي قد تُجسّد ــ رمزيًّا ــ عودة الجولاني بصفته "رئيسًا شرعيًا" في لحظة سياسية فارقة، تنطوي على رهانات معقدة، لا سيما حين يُطالَب هذا القائد بتحقيق جملة من الالتزامات الصعبة، بدءًا بإغلاق مقرات الفصائل الفلسطينية المسلحة، وصولًا إلى التصدّي لخطر "مخيم الهول"، باعتباره بؤرة انفجار إقليمي تشمل فلول داعش، وأسرًا متطرّفة تحمل جنسيات غربية، وفقًا لما صرّح به جرار لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.

ولفت الانتباه إلى أن ما يزيد من تعقيد المشهد هو أن الجولاني ــ الذي خرج ذات يوم من معتقل "أبو غريب" ــ قد وجد نفسه، بقرار سياسي مدروس، في موقع من يُكلّف بإدارة هذه القنبلة البشرية الموقوتة، ضمن إطار تفاوضي مساره من أردوغان إلى ماكرون، ومن ستارمر إلى بايدن.

وهنا، تحضر مفارقة لافتة؛ إذ إن الأسلوب الذي استخدمه ترامب مع زعيم طالبان ــ حين هدده صراحة بقصف مقر إقامته إذا لم يلتزم باتفاق الدوحة ــ يشبه، إلى حد كبير، أدوات الردع ذاتها التي يُراد تطبيقها في الحالة السورية، ذلك أن الدوحة نفسها، التي أدارت مفاوضات طالبان، هي اليوم لاعب فاعل في ملفات أخرى، مثل الرهائن الإسرائيليين، ومفاوضات الظل مع طهران، وهي أمور تُدار بتزامن دقيق يُحاكي سيناريوهات متعددة الاتجاهات، كما ذكر جرار.

واستطرد قائلًا إن ترامب لا يُفاوض خصمًا أو حليفًا بمنطق التقليديين، فهو يتعامل مع الخريطة كساحة مزادات كبرى، حيث كل طرف يبيع ويشتري حسب "الأصول" التي يملكها: البشر، والنفوذ، والثروات، والجغرافيا، والرمزية التاريخية، لذلك، فإن "الرئيس ـ رجل الصفقات" يُعيد توظيف أدوات السياسة الدولية، لا ليؤسس فقط لانتصار انتخابي، وإنما ليُعيد تعريف موازين الشراكة في الشرق الأوسط، وفق رؤيته التي ترى أن "الفلوس تُغري، ولكن الشريك الموثوق هو الاستثمار الأذكى".

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير