سوريا بين إعادة الدمج العربي وتحجيم الامتداد الإيراني

{title}
أخبار الأردن -

 

قال مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية الأستاذ الدكتور نبيل العتوم إن فقد المشاركة السعودية النشطة في الدفع نحو رفع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، شكّلت منعطفًا استراتيجيًا يعكس تحوّلًا نوعيًا في موقع المملكة داخل بنية النظام الإقليمي العربي، كما يعكس تنامي قدرتها على ممارسة أدوار تتجاوز الإطار التقليدي للدبلوماسية الوظيفية نحو دبلوماسية التأثير وإعادة التشكيل.

وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أن الحضور القوي للملف السوري في القمة الخليجية - الأمريكية، جاء نتيجة جهود دؤوبة وممنهجة تقودها القيادة السعودية، وتحديدًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ضمن استراتيجية شاملة لإعادة تموضع المملكة كفاعل إقليمي مركزي يمتلك أوراق الضغط، وأدوات الوساطة، وقدرة التأثير في توازنات القوى.

وبيّن العتوم أن المبادرة السعودية لرفع العقوبات عن دمشق لا تندرج ضمن سياق إنساني أو اقتصادي فحسب، فهي تمثل مدخلًا لإعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، تمهيدًا لدمجها التدريجي ضمن النظامين العربي والدولي، بما يُعيد التوازن إلى المسرح الإقليمي الذي طالما تخلخل تحت تأثير التدخلات الخارجية والانقسامات، مضيفًا أنه من شأن هذه الخطوة أن تسهم، وفق منظور سعودي، في تقليص مساحات النفوذ الإيراني، من خلال مقاربة قائمة على الانفتاح العربي - العربي مقابل الانكفاء الإيراني التدريجي، وبما يعزز الاستقرار في الجوار الجغرافي، لا سيما في الأردن ولبنان، بوصفهما أولى الدول المتأثرة بارتدادات الأزمة السورية.

ولفت الانتباه إلى أن نجاح المملكة في فتح الأبواب أمام الاستثمارات الخليجية والدولية لإعادة إعمار سوريا، بعد تخفيف العقوبات، سيؤدي إلى تنشيط الدورة الاقتصادية، وخلق فرص عمل، وإعادة ترميم البنية التحتية، وكلها مداخل تعزز من فرص إعادة بناء الدولة السورية على أسس أكثر توازنًا، بعيدًا عن منطق الاستقطاب والصراعات الصفرية.

أما على المستوى الدبلوماسي، اعتبر العتوم أن الرياض باتت تلعب دور "الوسيط النشط" الذي يتحرك ضمن هامش واسع من المبادرات، مدفوعةً برؤية استراتيجية عميقة تسعى إلى إعادة هندسة التموضعات الإقليمية على نحو يُعزز من قدرة السعودية على أن تكون مركزًا للتقاطع بين المصالح الدولية والإقليمية، وليست مجرد تابعٍ لمحور دولي بعينه، ومن هنا، تأتي أهمية اللقاء المفاجئ بين ولي العهد السعودي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بوصفه تعبيرًا عن قدرة القيادة السعودية على التأثير المباشر في القرار الأمريكي في لحظة سياسية حرجة.

وشدّد على أن التحول السعودي لا يمكن قراءته في إطار الأحادية السياسية أو الاصطفاف الجامد، وإنما في إطار دبلوماسية متعددة المسارات، تجمع بين الحضور الفاعل في المنظمات الإقليمية كـ"أوبك"، والانفتاح المدروس على قوى كبرى كالصين وروسيا، ضمن استراتيجية توازن دقيق تُعيد من خلالها الرياض صياغة معادلة "الاستقلال المتوازن" عن القرار الغربي، دون أن تقطع معه أو تنخرط في مواجهته.

وفيما يتعلق بإيران، نوّه العتوم إلى أن المملكة تبنت مقاربة عقلانية تقوم على "فصل المسارات"، إذ تعارض مشروع التوسع الإقليمي لطهران وتدين عسكرة البرنامج النووي الإيراني، إلا أنها في الوقت ذاته تنخرط في تنسيق أمني محدود، وتفتح قنوات تواصل غير مباشرة عبر وساطات متعددة، سواء لخدمة الاستقرار الإقليمي أو لتأمين مساحة تفاوضية تتيح تخفيف التوترات.

وأضاف أن هذه السياسة السعودية تهدف إلى خلق بيئة جيوسياسية أكثر توازنًا، تسمح بتهدئة بؤر التوتر، وتقليل احتمالات الانزلاق نحو مواجهات عسكرية مكلفة، مع تمكين الولايات المتحدة من إعادة ترتيب أولوياتها الجيوسياسية، بما في ذلك التركيز على التحديات الأكبر كالعلاقة مع الصين، والتنافس مع روسيا، والتكيف مع صعود "الجنوب العالمي".

وختم العتوم بالإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية، بقيادتها الحالية، باتت تشكل نقطة ارتكاز محورية في شبكة العلاقات الدولية، بفضل ما راكمته من أدوات تأثير، وما تبنته من رؤية استراتيجية تجاوزت الاعتبارات الآنية إلى التفكير في إعادة تشكيل النظام الإقليمي برمّته.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير