رحيل صاحب مفهوم القوة الناعمة في خبرٍ حزين لعالم العلاقات الدولية والسياسات العامة.

{title}
أخبار الأردن -

 

ا.د.حمدي عبدالرحمن 


نعت جامعة هارفارد أستاذها البارز جوزيف ناي  الذي وانته المنية عن عمر ناهز 88 عاماً، بعد أن قدّم خلال أكثر من ستة عقود من حياته إسهامات كبرى غيّرت من فهمنا لمفهوم القوة والنفوذ في السياسة العالمية.
كان ناي أحد المفكرين القلائل الذين جمعوا بين العمل الأكاديمي العميق والممارسة العملية في صنع القرار السياسي، وترك بصمة لا تُنسى في النظرية والممارسة.
اشتهر ناي بنظريته حول "القوة الناعمة" (Soft Power)، وهي الفكرة التي صاغها في أوائل التسعينيات، والتي ترى أن بإمكان الدول تحقيق أهدافها عبر الجاذبية والإقناع بدلًا من الإكراه أو الرشوة. وقد اعتبر ناي أن الثقافة، والقيم، والسياسات الخارجية الأخلاقية يمكن أن تشكل أدوات فعالة في النفوذ الدولي تفوق في تأثيرها القوة العسكرية أو الاقتصادية.
انضم ناي إلى هيئة التدريس في جامعة هارفارد عام 1964، بعد حصوله على الدكتوراه، وساهم لاحقًا في تأسيس وتطوير كلية كينيدي للحكم، حيث شغل منصب العميد بين عامي 1995 و2004. وامتدت جهوده لتشمل المناصب الحكومية أيضًا، فقد شغل مواقع مؤثرة في إدارتي الرئيسين كارتر وكلينتون، منها رئاسة مجلس الاستخبارات القومي الأميركي، ومنصب مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية.
من بين إنجازاته العديدة، انه ساعد في تأسيس برنامج المرأة والسياسات العامة، كما دعم تعيين عدد أكبر من النساء في هيئة التدريس، وجعل من القيادة العامة موضوعًا محوريًا في مناهج الكلية. أما مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية، فقد كان لقيادته فيه بين 1985 و1990 أثر كبير على البحوث المتعلقة بنزع السلاح النووي ومخاطر الأسلحة غير المؤمنة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وفي كتابه المشهور "Bound to Lead: The Changing Nature of American Power", شدد ناي على أن الولايات المتحدة ليست في انحدار كما كان يُعتقد آنذاك، بل تملك من القوة الناعمة ما يسمح لها بالحفاظ على قيادتها للعالم. هذه الفكرة أثبتت جدواها لاحقاً، حينما أصبحت مركزية في تحليل صعود الصين وتراجع صورة الولايات المتحدة في بعض الفترات، خاصة خلال عهد ترامب، وهو ما حذّر ناي منه مؤخرًا، مؤكدًا أن تجاهل القيم والانخراط في السياسات الانعزالية يُضعف جاذبية أمريكا ومكانتها في العالم.
رغم كل التحولات السياسية في العالم، ظل ناي متفائلاً إلى حد ما بقدرة القيم الديمقراطية الأميركية على التعافي، قائلاً في إحدى مقابلاته الأخيرة: "إنه وقت عصيب، لكنني أؤمن بأننا سنتجاوزه. ما زال لدي بصيص من الأمل المتحفّظ."
برحيل جوزيف ناي، يفقد العالم أحد أعمدته الفكرية في ميدان السياسة الدولية، لكنه يترك إرثاً علمياً وفكرياً سيبقى مرجعًا للأجيال القادمة من الباحثين وصنّاع القرار. لقد علّمنا أن القوة لا تقاس فقط بعدد الطائرات والدبابات، بل أيضاً بما تحمله الأمة من قيم وأفكار وقوة جذب إنساني وأخلاقي
الاجساد تذهب ولكن الافكار تبقى حية فينا .

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير