3 سيناريوهات أمام إيران... أكثرها رغبة أقلها حدوثًا
قال مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية الأستاذ الدكتور نبيل العتوم إننا نشهد إعادة إنتاج ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية الظل" أو مسار ما وراء الستار (بوشتي بردي)، وهو النمط التفاوضي الذي دأبت طهران على استخدامه، لا باعتباره خيارًا تكتيكيًا، وإنما باعتباره إستراتيجية تفاوضية عميقة الجذور، ترتكز على التراكم المرحلي للضغط المتبادل، وتُدار عبر قنوات مزدوجة تُبقي على الغموض البناء كعنصر مركزي في التفاعل السياسي مع الخصوم.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه يُستدل من سوابق التجربة الإيرانية، لا سيما اتفاق يوليو/تموز 2015، أن بنية التفاوض الإيرانية لا تؤمن بالحسم الفوري، بل بالمراكمة التفاوضية التي تستهلك الزمن لصالح تثبيت المكاسب بأقل التنازلات.
وبيّن العتوم أن الحديث عن تسوية شاملة تُبرم خلال جولات مقتضبة من أربع أو خمس ساعات، يغدو طرحًا ساذجًا يفتقر إلى فَهم ديناميات التفاوض الإيراني، القائمة على تجزئة الملفات وتحييد الموضوعات الشائكة، وخلق تفاهمات تقنية كمدخل لفرض توازن سياسي لاحق.
وذكر أن هناك ثمة ما يشي بتحول ملموس في العقيدة الاستراتيجية التي تنتهجها إدارة ترامب حاليًا، لا سيما في ظل المعطيات التي أوردتها نيويورك تايمز مؤخرًا حول رفض البنتاغون مقترحات توجيه ضربة عسكرية مباشرة لطهران في هذا التوقيت، إذ يُفهم من هذا التحفّظ أن واشنطن لا تسعى إلى فتح جبهة جديدة تستنزف طاقتها في لحظة جيوسياسية مضطربة، يهيمن عليها الصراع في أوكرانيا وتنامي التهديد الصيني في آسيا والمحيط الهادئ.
وعلى الرغم من أن ترامب سبق أن انسحب من الاتفاق النووي، فإن رغبته في إعادة تدوير اتفاق بصيغته المعدّلة تهدف إلى صناعة إنجاز سياسي يُسوّق داخليًا، وبالأخص في سياق الانتخابات، عبر ما يمكن تسميته بـ"اتفاق ترامب"، في مقابل "اتفاق أوباما"، لتثبيت شرعيته كصانع تسويات كبرى دون أن يورّط بلاده في حروب مُكلفة، وفقًا لما صرّح به العتوم لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونوّه إلى أن ما يطفو على سطح المشهد التفاوضي اليوم هو مقاربة قائمة على إعادة تدوير بنود الاتفاق النووي لعام 2015، مع تعديلات شكلية لا تمسّ جوهر الترتيبات التقنية، ولا تمتد إلى المسارات الصاروخية أو نفوذ إيران الإقليمي، إذ يمكن رصد هذا المسار من خلال التركيز المتزايد على التفاهمات الفنية، وتحييد النقاش السياسي لصالح تفعيل قنوات خبراء الطاقة الذرية والرقابة التقنية، وهو ما يعكس نزوعًا نحو نموذج "الاتفاق الأدنى"، الذي يوفّر أرضية تهدئة مرحلية دون التزام بمخرجات طويلة الأمد.
واستطرد العتوم قائلًا إن الخطاب الإيراني الأخير يحمل دلالات على انفتاح مشروط، كما يتجلّى من خلال استعمال مفردات مثل "التفاوض البنّاء"، والتي تُستخدم تقليديًا في الدبلوماسية الإيرانية كمؤشرات لمرونة محسوبة، لا تعني تنازلاً، بل رغبة في تحقيق اختراق مدروس يفرض شروطًا ناعمة للمرحلة المقبلة.
وتابع أن من أبرز ما يستوقف في الجولة الراهنة هو الزخم المتزايد للمكون الاقتصادي في العملية التفاوضية، حيث تذهب بعض التقارير إلى الحديث عن استثمارات أمريكية محتملة في السوق الإيراني، إضافة إلى برنامج نووي مشترك، وهو طرح غير مسبوق في سردية الخصومة التقليدية بين الطرفين.
وإذا تم تثبيت هذه المسارات، فإن واشنطن عمليًا تسعى لتحويل الملف النووي من عبء استراتيجي إلى أداة توظيف سياسي واقتصادي، في حين أن طهران تدير الملف من زاوية مزدوجة، أولًا كأداة لتحصيل مكاسب اقتصادية فورية تُنقذها من أزمتها الداخلية، وثانيًا كوسيلة لتكريس مكانتها التفاوضية في ظل تصدع الثقة الأوروبية الأمريكية، كما قال لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونبّه العتوم من أن هناك 3 سيناريوهات رئيسة، الأول منها هو الاتفاق المؤقت، والمعني بتجميد تخصيب اليورانيوم عند مستوى ما دون 60%، والإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة، وتخفيف جزئي للعقوبات، وتفعيل الرقابة الدولية التقنية عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ يُتيح هذا السيناريو تهدئة نسبية تسمح لطهران بإعادة إنتاج شرعيتها داخليًا، وتمنح واشنطن ورقة إنجاز خارجي قابلة للتوظيف انتخابيًا.
بينما يذهب السيناريو الثاني إلى الفشل التفاوضي، والمتمحور حول انهيار المسار الدبلوماسي، وعودة تل أبيب إلى خيار العمليات السرية والضربات المحدودة ضد المنشآت الإيرانية، وهو مسار يحمل مخاطر تصعيد إقليمي غير محسوب.
فيما يطل السيناريو الثالث باعتباره اتفاقًا شاملًا، وهو الأكثر استبعادًا، لأنه يفترض معالجة متزامنة للملف النووي، والنفوذ الإقليمي، والبرنامج الصاروخي، وهو ما لا يبدو قابلًا للتطبيق في اللحظة الجيوسياسية الحالية.
وأشار العتوم إلى أننا إزاء لحظة تفاوضية دقيقة، تتقاطع فيها التوازنات الدولية المتشابكة مع حسابات الربح السياسي اللحظي، ما يُنتج حالة من الضبابية المتعمدة، تخدم الطرفين على حدّ سواء، وبينما تُراهن إيران على المماطلة المنتجة، تستثمر واشنطن في المراوغة المحسوبة، لتتحول المفاوضات من ساحة لحل الأزمة، إلى أداة لإدارة التوازن، لا لتحقيق الحسم.
واختتم حديثه بالقول إن المسار الحالي لا يُبشّر باتفاق نهائي بقدر ما يؤسس لحالة تفاوضية ممتدة ومفتوحة على احتمالات الهشاشة والتعليق، وهو ما يكرّس – مرة أخرى – أن الملف النووي الإيراني أصبح أحد المفاتيح الكبرى لإعادة هندسة النظام الإقليمي برمّته.
3 سيناريوهات أمام إيران... أكثر رغبة أقلها حدوثًا
قال مدير برنامج الدراسات الإيرانية في مركز الدراسات الإقليمية الأستاذ الدكتور نبيل العتوم إننا نشهد إعادة إنتاج ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية الظل" أو مسار ما وراء الستار (بوشتي بردي)، وهو النمط التفاوضي الذي دأبت طهران على استخدامه، لا باعتباره خيارًا تكتيكيًا، وإنما باعتباره إستراتيجية تفاوضية عميقة الجذور، ترتكز على التراكم المرحلي للضغط المتبادل، وتُدار عبر قنوات مزدوجة تُبقي على الغموض البناء كعنصر مركزي في التفاعل السياسي مع الخصوم.
وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية أنه يُستدل من سوابق التجربة الإيرانية، لا سيما اتفاق يوليو/تموز 2015، أن بنية التفاوض الإيرانية لا تؤمن بالحسم الفوري، بل بالمراكمة التفاوضية التي تستهلك الزمن لصالح تثبيت المكاسب بأقل التنازلات.
وبيّن العتوم أن الحديث عن تسوية شاملة تُبرم خلال جولات مقتضبة من أربع أو خمس ساعات، يغدو طرحًا ساذجًا يفتقر إلى فَهم ديناميات التفاوض الإيراني، القائمة على تجزئة الملفات وتحييد الموضوعات الشائكة، وخلق تفاهمات تقنية كمدخل لفرض توازن سياسي لاحق.
وذكر أن هناك ثمة ما يشي بتحول ملموس في العقيدة الاستراتيجية التي تنتهجها إدارة ترامب حاليًا، لا سيما في ظل المعطيات التي أوردتها نيويورك تايمز مؤخرًا حول رفض البنتاغون مقترحات توجيه ضربة عسكرية مباشرة لطهران في هذا التوقيت، إذ يُفهم من هذا التحفّظ أن واشنطن لا تسعى إلى فتح جبهة جديدة تستنزف طاقتها في لحظة جيوسياسية مضطربة، يهيمن عليها الصراع في أوكرانيا وتنامي التهديد الصيني في آسيا والمحيط الهادئ.
وعلى الرغم من أن ترامب سبق أن انسحب من الاتفاق النووي، فإن رغبته في إعادة تدوير اتفاق بصيغته المعدّلة تهدف إلى صناعة إنجاز سياسي يُسوّق داخليًا، وبالأخص في سياق الانتخابات، عبر ما يمكن تسميته بـ"اتفاق ترامب"، في مقابل "اتفاق أوباما"، لتثبيت شرعيته كصانع تسويات كبرى دون أن يورّط بلاده في حروب مُكلفة، وفقًا لما صرّح به العتوم لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونوّه إلى أن ما يطفو على سطح المشهد التفاوضي اليوم هو مقاربة قائمة على إعادة تدوير بنود الاتفاق النووي لعام 2015، مع تعديلات شكلية لا تمسّ جوهر الترتيبات التقنية، ولا تمتد إلى المسارات الصاروخية أو نفوذ إيران الإقليمي، إذ يمكن رصد هذا المسار من خلال التركيز المتزايد على التفاهمات الفنية، وتحييد النقاش السياسي لصالح تفعيل قنوات خبراء الطاقة الذرية والرقابة التقنية، وهو ما يعكس نزوعًا نحو نموذج "الاتفاق الأدنى"، الذي يوفّر أرضية تهدئة مرحلية دون التزام بمخرجات طويلة الأمد.
واستطرد العتوم قائلًا إن الخطاب الإيراني الأخير يحمل دلالات على انفتاح مشروط، كما يتجلّى من خلال استعمال مفردات مثل "التفاوض البنّاء"، والتي تُستخدم تقليديًا في الدبلوماسية الإيرانية كمؤشرات لمرونة محسوبة، لا تعني تنازلاً، بل رغبة في تحقيق اختراق مدروس يفرض شروطًا ناعمة للمرحلة المقبلة.
وتابع أن من أبرز ما يستوقف في الجولة الراهنة هو الزخم المتزايد للمكون الاقتصادي في العملية التفاوضية، حيث تذهب بعض التقارير إلى الحديث عن استثمارات أمريكية محتملة في السوق الإيراني، إضافة إلى برنامج نووي مشترك، وهو طرح غير مسبوق في سردية الخصومة التقليدية بين الطرفين.
وإذا تم تثبيت هذه المسارات، فإن واشنطن عمليًا تسعى لتحويل الملف النووي من عبء استراتيجي إلى أداة توظيف سياسي واقتصادي، في حين أن طهران تدير الملف من زاوية مزدوجة، أولًا كأداة لتحصيل مكاسب اقتصادية فورية تُنقذها من أزمتها الداخلية، وثانيًا كوسيلة لتكريس مكانتها التفاوضية في ظل تصدع الثقة الأوروبية الأمريكية، كما قال لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية.
ونبّه العتوم من أن هناك 3 سيناريوهات رئيسة، الأول منها هو الاتفاق المؤقت، والمعني بتجميد تخصيب اليورانيوم عند مستوى ما دون 60%، والإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة، وتخفيف جزئي للعقوبات، وتفعيل الرقابة الدولية التقنية عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ يُتيح هذا السيناريو تهدئة نسبية تسمح لطهران بإعادة إنتاج شرعيتها داخليًا، وتمنح واشنطن ورقة إنجاز خارجي قابلة للتوظيف انتخابيًا.
بينما يذهب السيناريو الثاني إلى الفشل التفاوضي، والمتمحور حول انهيار المسار الدبلوماسي، وعودة تل أبيب إلى خيار العمليات السرية والضربات المحدودة ضد المنشآت الإيرانية، وهو مسار يحمل مخاطر تصعيد إقليمي غير محسوب.
فيما يطل السيناريو الثالث باعتباره اتفاقًا شاملًا، وهو الأكثر استبعادًا، لأنه يفترض معالجة متزامنة للملف النووي، والنفوذ الإقليمي، والبرنامج الصاروخي، وهو ما لا يبدو قابلًا للتطبيق في اللحظة الجيوسياسية الحالية.
وأشار العتوم إلى أننا إزاء لحظة تفاوضية دقيقة، تتقاطع فيها التوازنات الدولية المتشابكة مع حسابات الربح السياسي اللحظي، ما يُنتج حالة من الضبابية المتعمدة، تخدم الطرفين على حدّ سواء، وبينما تُراهن إيران على المماطلة المنتجة، تستثمر واشنطن في المراوغة المحسوبة، لتتحول المفاوضات من ساحة لحل الأزمة، إلى أداة لإدارة التوازن، لا لتحقيق الحسم.
واختتم حديثه بالقول إن المسار الحالي لا يُبشّر باتفاق نهائي بقدر ما يؤسس لحالة تفاوضية ممتدة ومفتوحة على احتمالات الهشاشة والتعليق، وهو ما يكرّس – مرة أخرى – أن الملف النووي الإيراني أصبح أحد المفاتيح الكبرى لإعادة هندسة النظام الإقليمي برمّته.

